عبثية الموت
الحديث عن موت شاعر عربي في سبعينيته في هذا الوقت الذي يموت فيه يوميا عشرات الشباب السوريين قصفا وقنصا وتعذيبا في المعتقلات سيبدو نوعا من الترف النخبوي حين اسقط الدم السوري النخبوية من عليائها.
والحديث عن موت شاعر منظر للحداثة الشعرية ومنظر لانفكاك الشعر من كل قيوده نحو حريته المطلقة سيبدو كالسير في حقل الغام جاهزة للانفجار حين تغاضى هذا المنظر الحداثي عن الدم اليومي القريب وحين استبدل حداثته بكلاسيكية سياسية رأت في الطغيان الفاشي المجاور وجهة نظر،وفي الانحياز الكامل لهذا الطغيان من قبل أصدقاء وزملاء له موقفا سياسيا لا يستحق منه الادانة، على أن لذاكرة اجيالنا مع أنسي الحاج ما يجعل الألغام ترأف بنا قليلا حين يقول أحدنا: اليوم غاب شاعر كبير لطالما مددنا أيدينا إلى إنائه كي نغرف الدهشة ونتأملها وهي تلاعبنا كما لو كنا أطفالا وكما لو كانت ساحرة، اليوم غاب شاعر جميل ،ونحن الذين ظننا أن الموت العبثي الشرير حولنا إلى اشرار متحجرين مثله مازالت’ ينابيع ‘الشعر قادرة على تعشيب يباس قلوبنا ومازالت ‘خواتمه’ حين نستعيرها تصيب جلودنا شبه الميتة بقشعريرة الحياة. اليوم غاب شاعر كبير حقا، ربما لم نعد قادرين على الحزن الكبير أو أننا صرنا نقتر به كي يتبقى منه قليل بما يكفي لنعرف أننا أحياء ،لكننا نعرف تماما أن بموت شاعر كبير ثمة ‘جرح’ آخر في جسد ‘الوجود’.. ذلك الجسد الذي كان على الشاعر الكبير أن يساعد قبل رحيله على ترميم ما أفسد الطغاة به ،لكنه وقد آثر الصمت والتأمل سنكتفي نحن بتذكر كل ما قاله تاركين للزمن أن يناقش في يوم ما صمته.
‘ شاعرة سورية