عمر والحكومة العصرية6من اصل11

عمر والحكومة العصرية6من اصل11

عمر والحكومة العصرية7من اصل11
عمر والحكومة العصرية6من اصل11

وعدوا من مفاخر الملوك أنهم لا يأكلون الا ما تأكله شعوبهم وأنهم لا يرون لهم عزة في الترف الذي يعز على رعيتهم. فاقتدوا بعمر فيما أوجبه على نفسه عام القحط، وعلمتهم الشدة كيف ينفذون إلى الواجب الانساني من وراء زخارف الحضارة الحديثة.

وشيء آخر يستغربه العصريون في نظام حكومة عمر وإن كانوا ليتمنون مثله لو استطاعوه، ونعني به طريقته في محاسبة الولاة والعمال سواء لتحقيق العدل أو لتحقيق الامانة..

فكان يجزي الوالي جزاء المثل عن كل مظلمة وقعت على أحد رعاياه، ويأخذ الوالي بسيئات أبنائه وذويه إن أساءوا وهم مستطيلون بما للولاية من حول وجاه..

وكان يحصي أموال الولاة، ثم يستصفي ما زاد عليها كلما فشت لهم فاشية من النعمة لا يخبرونه بمصدرها..

وفي هذا وذاك ضمان للعدل والأمانة، يستغربه العصريو لأنهم لا يألفونه في طرائق الحكومات العصرية.

ولكن أتراهم يستغربونه لأنه غير حسن أو لأنه غير مستطاع؟..

بل لأنه غير مستطاع ولا ريب، أو لأن الحكومات العصرية لا تملك أن تتحراه وتنصف في تنفيذه.

أما أنه حسن فلا شك في حسنه ولا في أنه أحسن من نظائره بين النظم العصرية، لأن حكومات العصر الحديث قد تحمي الوالي وإن ظلم واعتدى فلا تسمح بمقاضاته إلا بإذن منها!.. وقد تحميه مرة أخرى بالاحالة إلى الثقة بالوزارة ومنع المناقشة في عمله، لأنها هي المختصة بمناقشته فيه. وتعتذر في الحالتين بعذر المحافظة على نظام الدولة أن يهدده ما يهدد مراكز الحكام.

ولم يكن عمر يخشى هذا الخطر لأنه أقوى منه، فله هو الحق وعلى النظم العصرية الملام.

أما الطريقة العصرية في ضمان أمانة الحكام فهي أن تحرم عليهم الدساتير مباشرة الأعمال في الشركات وما اليها، ثم هي لا تأخذ منهم درهمًا ولو دخلوا الخدمة صفر اليدين وخرجوا منها بالضياع والقصور والأموال.

فمن استغرب الطرائق العمرية في هذا الباب فليستغربها ما شاء وهو يعلم أن الغرابة ليست بعيب، وأن المألوف هو المعيب إن قصر عن الغرب المطلوب.

 

m2pack.biz