عندما يرسم المعماري
تلقائيات جمال بكري
ليس هناك تعبير قائم عن عصر، مثل الشواهد المعمارية. فالعمارة تجسيد لاحتياجات العصر وابراز التكنولوجية العصر، وتعبير عن مفاهيم وفن العصر. وكي يمتلك المعماري القدرة علي تمثيل ذلك، يجب ان يتحلي بمعرفة علمية، وحس اجتماعي، والهام فني.
لقد بدأت العمارة بالحرفية قبل ان تتطور وتتنوع المنشآت الاجتماعية، ثم تطورت الحرفية الي الفن، فكان المعماري يبدأ رساماً ثم نحاتاً ثم معمارياً، الي ان طغي عصر العلم وتراجع المعماري الفنان ولقب بالمهندس، واستشرت المباني معقمة من الفن فيما سمي بعصر الحداثة.
الا اننا لحقنا اعتراض العواطف البشرية، لتعود العمارة بحسها الفني، فيما اطلق عليه عصر ما بعد الحداثة. والمعماري جهاز المجتمع الحساس، يدفعه بركان الفن الي اعماقه، وهي الموهبة التي تهذب الغرائز الي عواطف والرغبات بالقيم ويجدر به ان يلقب بالفنان المعماري، عوضاً عن المهندس المعماري، وقبل ن تتحول افكاره الي منشآت.. فهي تنسكب حساً علي ورق، او تخطيطاً علي جهاز.
ولما كان الاحتياج الي المعماري في صلبه ابتكار وترتيب لفراغات صالحة للاستخدام كانت العمارة في اساسها تجريد فراغي، وكان تدريبه لادراك العلاقات التجريدية من ألزم الثقافات لتنمية قدرته المهنيه. من هنا كان لابد بين الحين والآخر ان ينفرد المعماري الفنان بنفسه، منطلقاً..حراً..عن العلم والتكنولوجيا والضرورات الاجتماعية، لتنسكب زفرات وجدانه اعمالاً فنية بحتة. ليعود ادراجه معمارياً واعياً بنفسه وحسه، ومدركاً ادراكاً اعمق لوجوده.. وماهيته بقلم جمال بكري
* ليس الفن ترفيه وتحقيق لنزوات الانسان. الفن جواد جامح يجر عربة فضول الانسان خلال دروب المعرفة المظلمة، تهز الناس المستكينة من وجودهم السلبي حين استسلموا لتقليد كل ما هو قديم وماض.