عواطف الجماهير وأخلاقيتها 2من اصل3

عواطف الجماهير وأخلاقيتها 2من اصل3

عواطف الجماهير وأخلاقيتها 2من اصل 3
عواطف الجماهير وأخلاقيتها 2من اصل 3

وبما أن المحرضات القادرة على تهييج الجماهير متنوعة ومتعددة، وبما أن الجماهير تنقاد لها دائمًا، فإننا نجدها حيوية ومتحركة إلى أبعد حد. فنحن نجدها تنتقل في لحظة واحدة من مرحلة الضراوة الأكثر دموية إلى مرحلة البطولة المطلقة. إن الجمهور يمكنه بسهولة أن يصبح جلادًا، ولكن يمكنه بنفس السهولة أن يصبح ضحية وشهيدًا. فمن أعماقه سالت جداول الدم الغزيرة الضرورية لانتصار أي عقيدة أو إيمان جديد. ولا داعي للعودة إلى العصور البطولية لكي نعرف مدى إمكانيات الجماهير وقدراتها. فهي لا تبخل أبدًا بحياتها عندما يحدث الهياج الشعبي. والدليل على ذلك أن جنرالًا في الجيش أصبح شعبيًّا فيما بعد واستطاع أن يسوق معه مائة ألف شخص مستعدين للتضحية بأنفسهم من أجل قضيته. (المقصود نابليون).

وإذن فلا شيء معتمَّد أو مدروس لدى الجماهير. فهي تستطيع أن تعيش كل أنواع العواطف وتنتقل من النقيض إلى النقيض بسرعة البرق وذلك تحت تأثير المحرض السائد في اللحظة التي تعيشها. إن الجماهير تشبه الأوراق التي يلعب بها الإعصار ويبعثرها في كل اتجاه قبل أتن تتساقط على الأرض. إن دراسة بعض الجماهير الثورية تقدم لنا بعض الأمثلة عن تغير عواطفها وتنوعها وتقبلها.

وهذه الصفة الحركية المتغيرة التي تتميز بها الجماهير تجعل من الصعب حكمها، وخصوصًا عندما يسقط جزء من السلطات العامة في يدها. ولو أن ضرورات الحياة اليومية لا تشكل نوعًا من الميزان الناظم غير المرئي للأحداث لما استطاعت الأنظمة الديمقراطية أن تستمر. ولكن الجماهير التي ترغب في الوصول إلى الأشياء بنوع من السعار المجنون لا تثبت عليها لفترة طويلة. فهي عاجزة عن الإرادة الدائمة مثلما هي عاجزة عن التفكير الدائم والمستقر.

ولكن الجمهور ليس فقط انفعاليًّا ومتقلبًا. وإنما هو أيضًا كالإنسان الهمجي لا يعبأ بأي عقبة بين رغبته وبين تحقيق هذه الرغبة. نقول ذلك وخصوصًا أن عدده الكبير يشعره بامتلاك قوة لا تقاوم. فمفهوم المستحيل لا معنى له بالنسبة للفرد المنخرط في الجمهور.

m2pack.biz