«عين الشرق» بين الرواية والتوثيق
يجدر بالناقد الابتعاد عن المديح المجاني فليس منوطاً به قول ما لا يمكن التوافق معه في حال اطّلاع القارئ على المادة محلّ النقد، بل عليه كما هو واضح من دوره أن يشير إلى مواطن الجمال كما عليه الإشارة إلى مواطن الضعف، هذا مما تم التعارف عليه على أنه المنوط بالنقد سبباً وغاية.
هذه المقدمة أسوقُها للحديث عن رواية «عين الشرق» للإعلامي السوري إبراهيم الجبين، تعقيبا على بعض القراءات النقدية التي كانت الرواية ذاتها مجالا لها.
بداية يجب الانطلاق من فكرة أساسية هي وجوب التفريق بين العمل المُنتَج واتجاهنا السياسي، بمعنى لا يجب علينا الحكم على أي عمل فقط لأنه يتوافق مع ميولنا السياسية أو يخالفها، فنكون بذلك متعاطفين سلباً أو إيجاباً على حساب القيمة الفنية للعمل بحد ذاته، وكل ما قرأته من نقد تناول «عين الشرق « لا يخلو من هذه المفارقة، مما جعل من الرواية وثيقة سياسية أكثر من كونها رواية على الأقل من حيث الإطراء الذي نالها، وأزعم بأن أي قارئ رواية يستطيع لمس ذلك بعد قراءته لعين الشرق ومتابعة ما تناولها من مواد نقدية.
الرواية: قُدّمت الرواية للقارئ بتقنية جديدة تزاوج بين الرواية والمسرح والشغل عليها كما لو أنها سيناريو لفيلم مُتوقّع، يتضح ذلك من خلال التقسيم المقطعي والتبويب، بالنسبة للمقطعية في الرواية أرى أن الكاتب بالغ في تقسيم الرواية حيث يتوجب على القارئ بذل جهد ليس بالقليل للقدرة على الربط بين الحدث وأبطال الرواية، ذلك أن التداخل الكبير والمتشعّب بين المقاطع يُفقد القارئ القدرة على التركيز، الكاتب اعتمد في تقطيعه على خبرته الإعلامية كما هو واضح ولكنّ المبالغة واضحة ونالت من انسيابية الرّوي، بينما كان موفّقاً إلى حدٍ بعيد في التبويب الذي كان قادراً على شد القارئ، وكان من جهة أخرى بمثابة استراحات لولاها لبقي النص متداخلا عصيّا على المتابعة.
لقد استخدم الكاتب تقنية الضوء في المسرح ليكون على شكل ومضات توجّه على المناطق الروائية / المكان في النص كما لو أن جميع الأحداث تقع على المسرح والكاتب فقط يسلط الضوء على بقعة محددة في كل مرّة، هذا ما يجعل عين الشرق أقرب للعمل المسرحي منه للرواية.
كذلك يمكن الحديث عن الشخصيات وتناولها من جانبين: الأول هو أن الرواية تفتقد لتقنية الشخصيات المتنامية، وتسير منذ البداية بشخوص مكتملي البناء لا تنامي يسير بها، مما يمكّن القارئ من الحكم على نهايتها منذ قراءته لبابها الأول، أما بقية الرواية فهي عبارة عن سرد خال من التبدّل الذي من عادة الرواية أن تقدمه على مستوى الشخصيات التي لا تعطي أي انطباع جديد للقارئ، إذ اعتمد الكاتب البوليفية – الرواية متعددة الأصوات – غير أنه رغم محاولته هذه بقي واضح الصوت كساردٍ واحد في شكل مونولوجي مستمر.
الجانب الثاني هو في اللبس الحاصل في تقسيم أبطال الرواية إلى نوعين: أشخاص تمت الإشارة إليهم صراحة، وآخرون ترك الكاتب للقارئ مهمة اكتشافَهم، غير أنه غفل عن كونه يقدم نصاً للعالم وليس للقارئ الدمشقي على وجه الخصوص مما يجعل من اكتشافها والبحث عنها أمراً مستحيلاً، وهنا ينمو التساؤل التالي: هل الرواية توثيقية كما يراد لها؟ فإذا كانت الإجابة «نعم»، فإن الرواية تكون قد جانبت ذلك، وإذا كانت الإجابة «لا» فالرواية إذا ستبقى على صعيد الشخصيات ناقصة الوضوح، ذلك لأن الشخصيات معروفة كما يوضّح الكاتب في حديثه عنها ، مما يدعو للتساؤل: ألن ينظر القارئ إلى الرواية على أنها كيدية في جانب من جوانبها؟!
أما من حيث الحدث فسيرى القارئ أن الرواية تقوم على مجموعة أحداث متداخلة، ولكنها تفتقد للحدث المفصلي مما يجعلها تعوم في فضاء من الأحداث التي لارابط حقيقي بينها سوى المكان، وربما يُحسب للجبين أنه استطاع الإمساك بالفضاء الزمكان من خلال زجّه عدةَ أزمنة في فضاء المكان الواحد من دون أن يترك للقارئ فجوةً يفصل من خلالها بين الأزمنة المتداخلة. وبالعودة الى الجانب التوثيقي أتساءل: ما مدى صداقية التوثيق في «عين الشرق»، وكيف يمكن التأكد من هذا الجانب؟ إلا إذا أغفلنا المراد من التوثيق وتعاملنا معها على أنها نص أدبي محض.
كاتب سوري
فايز العباس