في الميناء
والآن أعودُ إلى روتردامَ، فأدخلها
برشاقةِ سائحْ. أتحاشى المِتْرو
إذ يُشعرني أنّي ضَرْبٌ مِن حشراتِ
الأرضِ المدنيّةِ (أكره مملكةَ النملْ).
أتصفّحُ أحوالَ العالمِ مِن نافذةِ الترامِ:
بروجٌ تُعلي أقواساً للنصرِ،
جسورٌ تتكئ على أشباحِ الحربِ العظمى،
ووجومٌ يَعْتَرشُ الأبوابَ البُنيّةَ والجدرانَ.
أحدّثُ نفسي: لو عشتُ هنا أيامَ الحربِ
العظمى، لرآني البعضُ يهودياً، ومَضَت بي
عَرَباتُ الموت إلى جهةٍ أخرى!
أمحظوظٌ أنّي مِن نسلِ أناسٍ فرّوا من
عربات أناسٍ فرّوا من عربات الموت؟
القلبُ يهيمُ كطيرٍ خلف شواطئ
لن تدركها هذي السفنُ
تحملني الدهشةُ صوبَ الميناءِ
فيحتَشدُ البحّارةُ حولي:
– من أي بلادٍ أنت، أرضِ الحنظلِ
أم أرضِ البُسُطِ الطائرةِ؟
– أرض العسل يُقال!
– أتأتي معنا؟ رحلتنا القادمةُ
إلى ميناءِ البحر الأدنى. قد يُسعفكَ
النَخْلُ بوحيٍ، وتُزوجكَ البِيدُ عذارى
(إلى آخره).
أتذكّرُ أنّ عليّ كتابةَ فَصْلٍ في شأنِ
الأسماءِ، فأفلتُ من هَرْجِ البحّارةِ.
يخطئني لغمٌ في عرباتِ الموتِ
أفاقَ، وتصعقُني إيماءةُ بنتٍ تركنُ
قربَ سياجِ الغيمِ الدرّاجة.
ومساءً تتصلُ صديقةْ:
«حلمتُ بأنك تعدو في ميناءٍ. روتردام؟»
شاعر فلسطيني