في انْشِــراح مفهوم «المُثقَّف» وتَوَسُّعِه

في انْشِراح مفهوم «المُثقَّف» وتَوَسُّعِه

في انْشِراح مفهوم «المُثقَّف» وتَوَسُّعِه

دون أن نَخُوضَ في ما يمكن أن يَحْتَمِلَه مفهوم الثَّقافة من إيحاءاتٍ، وما قد يحتمله هذا المفهوم من دلالاتٍ، تختلف باختلاف طبيعة الحُقول التي يَصْدُرُ عنها، سواء في مجال السوسيولوجيا، بمختلف مدارسها وتَوَجُّهاتِها الفكرية والنقدية، بما فيها ما يقصدُه «نُقّاد الثقافة»، بشكل خاص، بهذا المفهوم، أو «نُقَّاد الأدب» الذين تَدَخَّلُوا في فترة ما لشغل الفراغ الذي تركَتْه السوسيولوجيا، في اختبار السياقات التي لها علاقة بهذا المفهوم، في علاقته طبعاً بالسياق الاجتماعي العام، أو ما له علاقة ب «المُنتجات الثقافية والفنية»، أو في المجال الأنتربولوجي الذي لا يكتفي بالحدود التي اكتفى بها السوسيولوجي المُشْتَغِل في سوسيولوجيا الثقافة، تحديداً.
فنحن، هنا، نكتفي باعتبار الثَّقافة هي مجموع ما يُنْتِجُه الكاتِب أو النَّاقِد أو المفكر أو الفنَّان، من رموز ودلالاتٍ، وما تحتمله هذه الرموز من أفكار وقِيَم ومُعْتَقداتٍ، أو ما قد يختزنه هذا المفهوم في طَيَّاته من سلوكات، ومشاعر، وتعبيرات، لا تقتصر على ما هو مكتوب، بقدر ما تشمل كل أشكال التعبيرات المتنوِّعَة والمختلفة، التي لا بُدَّ أن يكون بينها نواظم تربطها، أو تشُدُّها مع بعضها، مهما كانت مَتانَةُ أو رهافة هذه الخيوط، التي غالباً ما نعتبرُها بنيات، أو أنساق جامعة. وفي هذا التعريف، بقدر ما نمتح من الحقول المعنية بتعريف الثقافة والمثقف، بقدر ما نَعْتَبِر أنَّ «الانزلاق» في اتجاه هذه المعاني، هو تعبير عن «انزلاق» معنى الثقافة «من بين أيدينا»، كونه أوسع مما نَتَصوَّر، وهو لا يعمل إلاَّ في سياق، يكون بمثابة الإطار الذي يُحَدِّد مرجعيته، والمصادر التي منه انْحَدَر إلينا، أو ذهبنا إليها لتكون هي ما نصدر عنه في فهمنا لهذا المفهوم، ولغيره من المفاهيم، التي لا يمكن أن تكون ثابتة، أو مُغٌلَقَةٍ ونهائيةً.
وفي هذا المعنى نفسه، يبدو لنا، بوضوح ما نعنيه ب «المثقف»، الذي ليس، بالضرورة، هو من يشتغل في الأدب، أو من يعمل في مجال الأفكار، بل إنَّ اتِّساع مفهوم المثقف، و«انْزِلاق»ه، يكون بنفس اتّساع مفهوم «الثقافة» و «انْزِلاق»ه، أيضاً.
وقد كان المفكر الراحل محمد عابد الجابري، فتح هذا المفهوم، ووسَّعَهُ إلى حدِّ اعتباره المُدَرِّسين، مثلاً، رغم أنَّهُم ليسوا كُتَّاباً، في أغلبهم، ولا مُشْتَغِلِينَ في حقل الفكر والإبداع، مثقفين، وهُم، بالضرورة، ينتمون لهذه الشريحة من الناس، لطبيعة المجال، أو الحقل الذي يعملون فيه، وهو حقل المعارف والأفكار.
فنحن، في الحقيقة، أمام حقل، بقدر ما قد يتَّسِع، يمكنه أن يَضِيق، ويتقَلَّصَ، بحسب السياق الذي نَصْدُر عنه، وهذا، في ذاته، ما يجعل من «سوء الفهم»، يتقلَّص بين القاريء والكاتب، من جهة، وحتى بين الكاتب، وبين ما يعمل عليه من أفكار، أو ما يُقاربُه من موضوعات. فبقدر ما نُمارِس المفهوم، فنحن نَسْتَكْشِفُه، في ما هو، أيصاً، يشرع في الظُّهور والانْكِشاف، مثلما يحدث في المرايا المُضَبَّبَة، التي يستغرقُها البُخار، والتي لا تسمح بظهور الصورة إلاَّ بشكل تدريجي، وبحسب ما يَتَبَدَّى من انفراجات في المكان. فالمفهوم، مهما كان، لا يَتَّسِع نطاق ممارسته، إلاَّ بالمُمارَسَة والاختبار.
في ما أذْهَب إليه، سواء في كتاب «المثقف المغربي بين رهان المعرفة ورهانات السلطة»، الذي صدر حديثاً عن منشورات مجلة «وجهة نظر»، وهو خاص بوضعيات المثقف المغربي، وما حدث في مفهوم المثقف نفسه من انقلابات وتحريفات، أو مُقايَضات، وعلاقة المثقف بالحزب أو بالسلطة، بدايةً مما سُمِّيَ ب «التناوب التوافقي»، أو في ما أنشره في علاقة المثقف بالسِّياسيّ، والدور الذي على المثقف، اليوم، أن يقوم به، أو هو بلأحرى، الدور الذي كان تَنازَل عنه، وتركَه للسِّياسيّ، طبعاً، بالتَّمْيِيز بين مفهوميْ «السِّياسَة» و «السِّياسِي»، كما سبق أن حدَّدَتْهُما حنَّا آرنْت، وتبنَّى بعدها، الشَّاعريّ الفرنسي هنري ميشونيك، نفس التَّمْييز، ولو في سياق آخر.
وفق هذا التوضيح الذي تَوَخَّيْت تَذْكيرَهُ، حَرِصْتُ، دائماً، على أن يكون اسْتِعمالي للمفاهيم، هو استعمال من يعمل على مراجعتها، وتوسيعها، وفَتْحِها على السياقات التي يمكن أن تُساعِد على تَحْيِين المفهوم، وعلى مُساءَلته، والنظر إليه، دون نسيان إطاره الإبستمولوجياً أو المعرفي، في قدرته على استعاب ما يدخل إليه من أراضٍ.
فالمعرفة، بطبيعتها نسبية، وهي ليست حقلاً للاعتقاد النهائي المُغْلَق، وهي، مهما تكن طبيعة الادِّعاءات «العِلْمِية» التي نُغَلِّفُها بها، تبقى مفتوحة على «الجُرح والتَّعديل» و هو ما لا يريده بعض «المثقفين» من مُدَرِّسي الأدب، بشكل خاص، في جامعاتنا المغربية.
شاعر من المغرب
صلاح بوسريف
يا صلاح بوسريف الموضوع مهم لو تمَّ تحديد اللّغة، فمعنى المعاني يختلف ما بين محتويات قاموس لغة وأخرى، إن كنّا نتكلّم عن الرموز والدلالات، فمثلا ورد في مقالك “الإبستمولوجيا، الأنتربولوجي، السوسيولوجي” ما هذه الثقافة إن كانت معنيّة بلغة العرب التي لا تجيد أن تترجم هذه الكلمات فالنقحرة (كما هو حال مصطلح الديمقراطية/الديكتاتورية ما دام موضوعك له علاقة بالسياسة) شيء، والتعريب شيء آخر.

m2pack.biz