في «قفطان 2009» بمراكش هوية كونية تخترق حدود «شرق غرب افريقيا»
بدّدت تظاهرة القفطان في دورتها الثالثة عشر كل الحدود بين الثقافات، وقد أثبت هذا الزي المغربي التقليدي مرّة أخرى أنه قادر على اختراق كل العصور، رافعاً تحدّي افريقيا –شرق غرب كشعار وموضوع لقفطان 2009 الذي أصبح يحمل هوية كونية .
وفاءً لهذه المقاربة، قدّم المصمّمون إبداعات أبهرت عشاق القفطان، وعلى رأسهم ضيف شرف الدورة المصمّم العالمي كريستوف جوس، الذي قاده إبداعه لرسم ملامح أنوثة فاتنة، فجاءت تشكيلته رقيقة رشيقة وعصرية .
بينما مزجت مديحة بناني بين اللونين الأحمر والأصفر على طريقة الأناقة الصينية، ثم جنحت للتفاعل بين البرتقالي والوردي الهندي لتقديم اللوحة الشرقية، فيما استلهمت اللحن الغربي من تعاقب الظل والضوء من خلال اللونين الأبيض والأسود الباريسيين، مستعملة ساتان الدوقة المرصّع باللآلئ الصغيرة، والأكمام المنطادية من نسيج الحرير المزركش، لتفسح المجال لمساحة القارة السوداء افريقيا لتتدثّر بقفاطين من الديباج وقطيفة الحرير، مستعينة بأحزمة مزيّنة برؤوس افريقية وريش الطاووس .
روكوكو القرن الثامن عشر
سافرت ذهب بن عبود إلى حقبة روكوكو القرن الثامن عشر، التي اشتهرت بفن التزيين المثقل بالتفاصيل الدقيقة التي توحي بالإبهار، فيما سعت إلى إظهار الجانب الطبيعي للقارة السوداء، وجسّدته في تصاميمها، لتفرد للشرق قفاطين مستوحاة من لباس «الماتادور» الإسباني، فارس لعبة «لا كوريدا ».
واختارت أمينة البوصيري للمجموعة الإفريقية تشكيلة الألوان الحمضية لقصّات غنية بالتطريزات، توزّعت بين ريشة الطاووس وصنعة «المعلم» التقليدية المعروفة في الخياطة المغربية ودرع الزولو المرصّع بالأحجار ووسم من رمزي الثعبان والفهد. أما تشكيلة الشرق فمستوحاة من حدائق الياسمين والورود، ولذلك جاءت غنية بتطريزات مزهّرة ونضرة، كما توسّطت قفاطين تيمة «الغرب» أزياء العصور الوسطى والقديمة .
ضربة مقص
تتميّز المصمّمة سميرة حدوشي بحسّ المغامرة الذي يتجسّد في ضربة مقصّ شجاعة، فجاءت تصاميمها هذه السنة لتكشف عن كاريزما المرأة الشرقية من خلال ألوان حيّة، أحزمة قديمة، دانتيلا، الترخيم المصفّح والقلائد الصدرية المصنوعة من الصقلي الذهبي (خيوط الذهب). كما قادتها طبيعة المرأة الافريقية إلى تصميم قفاطين بألوان حارّة من مواد محيطها وبيئتها كالريش والجلد والفرو، لتخصّص للمرأة الغربية تشبيكات فاتنة بأكمام مطوّية غاية في الرقي .
وظلّ المصمّم محمد لخضر وفياً لجذوره في لوحته الافريقية، ليبرز في قفاطينه الفسيفساء البربرية ويعرّج على طريق «الماهاراجا» حيث سحر الشرق وغرابته، ثم ينعطف بعدها إلى روسيا مفتوناً بالدمى الروسية ومستلهماً جمال وزخم ألوانها .
أما نبيل الدحاني، فرحلة زيّه تبدأ من قلب شعب «الماساي» منبهراً بطريقته في التجميل وجواهره لإبداع أزياء حمراء اللون تستعمل عادةً من طرف المحارب, فاستنبط منها قفاطين حريرية مزخرفة بشكل النمر، ليستريح في وداعة الكيمونو الياباني القريب لقصّة القفطان، وانتهت رحلته بأميركا تحديداً بسينما الأربعينات والخمسينات، حيث تميّز الزي بطيّاته الواسعة .
أناقة ملكية
أرادت كل من مريم بنعمور ورضا بوخلف الثنائي في عالم الموضة المغربية، تتويج تشكيلتهما هذا العام بأناقة ملكية، وذلك بإعادة قراءة تاريخ الزي الأنثوي في أناقته الملكية، فاستلهما قصتهما من لباس الملكة إليزابيت «سيدة بريطانيا الأولى» يوم تنصيبها في لوحتهما الغربية، وكانت أناقة الملكة «صابا» الافريقية مصدر إلهامهما، ليجدا أن الإمبراطورية العثمانية هي رمز أناقة الشرق من خلال الأحزمة الواسعة المرصّعة بالماس والمجوهرات ذات الألوان المتعدّدة .
تركّزت تشكيلة زينب اليوبي الإدريسي على إظهار قوة وحكمة السيدات، بمصاحبة القفاطين لأقنعة تعكس كل منطقة جغرافية على حدة، فمثّلت المرأة الافريقية بألوان قوية كالأصفر والأسود، فيما خصّت الشرقية بأثواب فاخرة حمراء زرقاء ووردية، لتلبس المرأة الغربية أشكالاً مقوّسة فضفاضة تجسيداً لعصريتها .
لم تبتعد سهام الهبطي وخديجة بلمليح كثيراً عن الملامح المغربية في تشكيلتيهما, حيث اعتبرتا أن هناك دائماً نقاط التقاء بين الحضارات، لكن كل وفق رؤيتها .
تصميمات بلمليح إعادة قراءة للقفطان، مع الأخذ بعين الإعتبار عنصر التداخل الثقافي .
لمسة سهام الهبطي التي تعتبر المغرب عبارة عن شجرة جذورها في افريقيا وأوراقها في أوروبا، تثمّن صنعة الحرفي المغربي .
واختتم حفل القفطان الذي تنظّمه مجلة «فام دي ماروك» وتساند من خلاله جمعية دعم تمدرس الفتيات القرويات، بعرض أزياء للموهبة الشابة لهذا العام نسرين الزاكي بقالي التي فازت بهذا اللقب، حيث جاءت ألبستها مخضبة بمواد فاخرة للشرق، مضيئة وحارّة لافريقيا .
وأشرف على تصميم عرض الدورة الثالثة للقفطان الذي نشّطته الإعلامية سميرة البلوي الكوريغراف الفرنسي من أصل جزائري كمال والي, أستاذ الرقص ببرنامج «ستار أكاديمي» بفرنسا, حيث تخلّلته لوحات استعراضية في فن الرقص العصري وأيضاً وصلات غنائية أدّتها نجمة «ستار أكاديمي» الفرنسي المغربية صوفيا السعيدي.