في موسم الجوائز
إعلان القائمة الطويلة لجائزة تُمنح للرواية هو عيد للقراءة وموسم للتداول الأدبي، يفترض أن نخبة ثقافية تمتلك باعاً طويلاً وعريضاً في الكتابة والقراءة والنقد وأشياء أخرى اختارت مجموعة من الروايات هي أفضل ما نشر لينال كاتب واحد فقط خمسين ألف دولار «كاش» قيمة الجائزة، عندما يعلن الموقع الرسمي للجائزة القائمة يتم تناقله بسرعة وحرص أدبي على كل المنصات الإجتماعية، تستعرض العيون النهمة القائمة الطولانية التي تضم عناوين الروايات واسماء كتابها وخاصة الدول التي ينتمون اليها.
لا يعير أحد «بالطبع» دور النشر التفاتةً، حيث يتركز الإهتمام على «بلدان المنشأ» تعيد العيون المهتمه تقليب العناوين كتقليب ليرات ذهبية في كف بخيل، تحسس وتلمس وإعادة عد. وحملقة مركزة في مفردات العناوين والأسماء مجدداً واعتصار للذاكرة واستدعاء لأسماء قديمة وجديده غابت عن القائمة، وبعد أن يعدد صحافيو الثقافة حصة كل بلد من الترشيحات يختلط موسم القراءة بموجات الامتعاض والتذمر، وحالات الإحساس بالغبن والإقصاء، ولكن الاهتمام ينحصر كله بالقائمة أما المظلومون فيزدردون بغيظ حكاية «الثعلب والعنب الحامض». رغم ما يقال عن الجوائز، فالاسماء المختارة توضع تحت بؤرة المعاينة المركزة ويبدأ البحث عن نسخ مجانية على صفحات الإنترنت، ويغامر كثيرون بالشراء وكأنه تصديق مبدئي على حكم اللجنة ، الأمر الذي يزيد الحماس سرية اعضاء اللجنة فاسماء افرادها سر عسكري لا يجوز البوح به لأسباب تتعلق بالنزاهة و»لفداحة» قيمة الجائزة المقدمة بالعملة الصعبة، تزيد هذه التفصيلة الغامضة من قيمة اللائحة الطويلة ويزداد اللغط حولها مع تخمينات وتسريبات وتقييمات منفصلة بعد أن تكون اولى القراءات النقدية قد خرجت للعلن، موسم الجائزة عكاظ خاص تزدهر فيه لوبيات أدب الاتهامات، وحواريات انتظار الإعلان النهائي عن الفائز، ففي هذه الحواريات بالذات يتم تبادل التحليلات النقدية والشخصية، أما اللوبي الأهم فهو لوبي السؤال من هم أعضاء اللجنة؟
يجب على عضو اللجنه أن يكون سريعاً في القراءة ليعطي النتيجة في الوقت المحدد، ومن المفترض ان يكون لديه معايير يختار على اساسها، يتأبط كل عضو عند تسميته حزمة كبيرة فيها ما لا يقل عن ثلاثين رواية ومبلغ من المال وتوصية بترشيح أربعة أو خمسة منها، مهنة عضو اللجنة جميلة ومغرية فهو بعد أن يتسلم طرد الروايات الضخم يجلس مستسلماً في المنزل ليقرأ وقد يقرأ وهو يتناول طعام الغداء أو يتابع إعادة لبرنامج «ذا فويس» أو في انتظار دوره عند الحلاق، قد يكون لمناخ القراءة دور في الأختيار وقد تدخل ضمن معايير إختياره، وشخصية الحكم أيضا و اسلوبة من ضمن معايير «اللعبة»، أساليب القراءة التي تم تعدادها لا تهين الرواية ولا تقلل من أهميتها ولا تختل معها رصانة عضو اللجنه فالقراءة كعملية معرفية كفيلة بنفض عن كتفيها كل ما يمكن أن يعلق بها من شبهات، لكن المهم أن تمر العين على الصفحات المكتوبة لتنتج الصور الروائية المطلوبة وتتيح للحكم إطلاق قراره النهائي.
أحب أن أكون عضو لجنة تحكيم فأنا سريع في القراءة اقرأ خمسة عشر الف كلمة في الساعه وهذه خاصية مهمة وخصوصاً عما يكون الوقت ضيقاً ما بين إعلان القائمة الطويلة وإعلان الفائز، ولا أتابع برنامج ذا فويس و لا انتظر دوري عن الحلاق من يحلق شعري يخابرني هاتفيا بفراغ أحد الكراسي، ولا أحب أن اقرأ وأنا اتناول الطعام، اقرأ بمودة ولدي صلة قربى مع الورق المطبوع وأنا مستعد أن اسلم الروايات سليمة دون خدش على أي مغلف وبذات العبوة الكرتونيه، لن أكتب ملاحظات على الرواية سأسجل ما أريده بقلم الرصاص على ورقة منفصلة قد افقدها بعد أن أنتهي من قراءة الرواية ولكن ذاكرتي حاضرة ويمكن أن أعتمد عليها دون أن تخذلني، وإن نسيت اسماء أبطال الرواية فمن المؤكد بأنني سأتذكر كل الأحداث المهمة وأهم خلجات فؤاد الشخصية الرئيسية مع الاحتفاظ بنسخه حية عن كل لواعجها الداخلية، ولدي معايير أعتقد أنها مهمة في عملية التقييم هي:
– دلاليا: يجب ان تحتوي الرواية على اقل قدر من الإشارات، وأُفضل الرواية باشارة واحدة فقط كضوء المرور الأحمر التي يقول قف وفقط «قف، أما أذا كانت الرواية مثقلة بالدلالات فقد يكون ذلك عبئاً على الشخصيات، وعلى الورق المطبوع ايضا.»
سردياً: يجب ان يعطي السرد دافعا لمتابعة القراءة ومن الأفضل أن يتمسك النص بمن يقرأ ولو اضطر الى رشوته، لأن النص المكتوب بين لوحي كتاب لا يتحول الى رواية إلا عندما تتم قراءته حتى آخر كلمة في الصفحة الأخيرة، والقراءة مهمة شاقة يرغب القارئ أن يحصل في نهايتها على جائزة وحبذا لو كانت تلك الجائزة من النوع الكبير.
حكائياً: يجب أن تحتوي الرواية مهما أوغلت في الفنتازيا أو الترميز هيكلاً عاملاً لحكاية تمنح القارىء القدرة على تجمميعها لأستقبال إشاره يمكن تفسيرها. وأجمل الحكايات تلك التي نلملم أجزاءها كقطع «البازل» وأجمل القطع تلك التي لا نعثر عليها ولكنها تبقى واضحة بحدود تقاطعها مع الأجزاء المجاورة.
كاتب سوري