قبل أي شيء يجب أن تعرف الآتي عن كيفية وصول الأسطورة لنا اليوم في شكلها الأخير
أولاً أكثر القصص اكتمالاً عن أسطورة الخليقة البابلية جاءت لنا في سبع ألواح طينية وجدت في مكتبة الملك “أشور باسال” في مدينة نينوى عاصمة الإمبراطورية الأشورية والتي أتت بعد الإمبراطورية البابلية الأولى. ويتراوح عمرها لأكثر من 660 سنة قبل الميلاد ولكن زمن كتابة الأسطورة الأصلية القديمة يصل إلى أبعد من ذلك بكثير، منذ ألاف السنين في المجتمع السوماري القديم، وتطورت مع الوقت وتغيرت ملامحها ولكن يبقى قابلها الأساسي الملحمي كما هو. ولماذا تغيرت؟ لأن أصل القصة يعمل عمله الديني والسياسي ويجب أن يتماشى مع ظروف العصر وتقلب الإمبراطوريات والسياسة. فزمن وصول القصة لنا هو زمن كتابتها في العهد البابلي الأول أي أيام الملك حمورابي مؤسس الإمبراطورية البابلية، وكانت بابل هي العاصمة لذلك يجب أن يعلي اسم بابل وأهميتها وسط المدن الأخرى في الملحمة، وكذلك كان حمورابي يعبد الإله مردوخ وقال يقول إن الشرائع التي حكم بها الشعب هي بالأساس هبة من الإله مردوخ، فكان على كهنة معبد مردوخ إعلاء شأن مردوخ فوق كل باقي الآلهة الأخرى، ليتحول بطل أسطورة الخليقة البابلية من الإله أنو أو الإله أنليل (آلهة المدن الحاكمة السابقة قبل بابل) إلى الإله مردوخ. فيجب أن تأخذ هذا الأمر في اعتبارك لتفهم الأسطورة وأهميتها عن حق.
أول قطع من أسطورة الخليقة البابلية وصلت لنا من أقدم العهود في سومر وهي تختلف عن النسخة البابلية في الأحداث والبطل والبداية الغامضة. ولكن الأكثر اكتمالاً ونضجاً في الأدب والتأليف كما ذكرنا هي السبع لوح من مكتبة أشور وما أسموه العلماء فيما بعد “رقم الخليقة السبعة” وهذه هي التي نستند عليها في حديثنا اليوم، وهي تختلف تماماً عن فكرة شعب الأنوناكي الخالق للإنسان والقادم من الفضاء الخارجي كما اعتقدوا في رواية أخرى مختلفة. وهي تعتبر من أطول الملاحم الشعرية الطويلة بعد أسطورة جلجامش بالطبع، لأنها تحتوي على ألف بيت يتوافقون في الجناس اللفظي على طريقة الكتابة الأدبية البابلية القديمة.