قراءة في قصة عصفور من الشرق
توفيق الحكيم
رائدُ المسرح الذهني في الأدب العربيّ، وأحدُ روّاد المسرح والرواية العربيّة في القرن العشرين، وُلدَ توفيق الحكيم في عام 1898م في الإسكندريّة، ومنذ صغره ظهر لديه شغفٌ بالأدب وكان يسارع إلى حضور عروض الممثّلين الشّهيرين في ذلك الوقت مثل جورج أبيض، كتب الكثير من المسرحيّات والقصص، إلا أنَّ القليل منها ما يُمكن أن يُؤدَّى على خَشبة المسرح، ومن أشهر مؤلّفاته: بجماليون، عودة الروح، يوميات كاتب في الأرياف، أهل الكهف، الملك أوديب، الأيدي الناعمة، شهرزاد والسلطان الحائر، عصفور من الشرق وغيرها، توفّي عام 1987م في القاهرة، وفي هذا المقال سيدور الحديث حول قراءة في قصة عصفور من الشرق وذكر بعض الاقتباسات منها. [١]
قراءة في قصة عصفور من الشرق
تعدُّ قصة عصفور من الشرق من أشهر ما كتبَ الأديب الراحل توفيق الحكيم، صَدرت في عام 1938م، وتُرجمت إلى اللغة الفرنسيّة بعد أعوام قليلة في عام 1946م، وهي من المسرح الذهنيّ الذي أبدعه توفيق الحكيم في الأدب العربيّ، حيثُ تكونُ شخصيات الرواية عبارة عن رموز يدلُّ كلّ منها على شيء معيّن.[٢]
تبدو القصة للوهلة الأولى أنَّها تتحدّث عن قصة حبٍّ فاشلة بين شابّ مصري وفتاة فرنسيّة في باريس، وتُحاول أن تعكسَ حال المجتمع الفرنسيّ الفقير في تلك المرحلة، إلا أنَّ القصة الحقيقيّة المُراد التعبير عنها أو مغزى القصة يمثِّلُ الصراع بين الحضارات عمومًا، والصّراع بين حضارَتَيْ الشرق والغرب خصوصًا، الشرق المتمثّل بالشاب المصري والغرب المتمثل بالفتاة الفرنسية، أمَّا الصديق الروسيّ إيفانوفتش فهو الذي يقوم بدور المقارنة بين الغرب والشرق من خلال الشخصيَّتين الرئيستَيْن، وتخلُص مقارنته في النهاية إلى أنَّ الغرب جسَّد السطحية وأقنع الناس بالحياة المزيّفة الوحيدة على سطح الأرض، وهي التي يَحياها الناس متجاهلين الحياة الأخرى بعد الموت، وهذا ما دَفَع النّاس إلى التكالب على مُغريات الحياة ولذائذها حتى يحصلَ كلّ شخصٍ على نصيبه قبل الموت، أمَّا الشرق فقد أعطى الناس الأمل بالحياة في عالمَيْن منفصلين هما عالم الدنيا وعالم الآخرة، فمن فاته شيء من نصيبه في الدنيا فهو محفوظٌ في السماء في الحياة الآخرة.
وفي النهاية فإنَّ القصّة تحاول أن تبحثَ عن حُلُم مفقود ومن خلال شخصية الصديق الروسي تسأل كثيرًا عن المدينة الفاضلة، وتتناول الصراع بين الشرق والغرب، بين الخيال والواقع، بين الأصالة والحَداثة، بين الإيمان والعلم، بين القلب والعقل، بين الروحانيّات في الشرق والماديّات في الغرب، وهنا ينتقدُ الكاتب ما توصل إليه الغرب بعد الثورة الصناعية والآثار السلبيّة التي لحقت بالمجتمعات الغربيّة من عبوديّة جديدة وغيرها وتحويل البشر لأشباه آلات متحرّكة.[٣]
اقتباسات من قصة عصفور من الشرق
بعد الحديث عن قصة عصفور من الشرق وإلقاء نظرة عمّا دارت حوله من مقارنات بين حضارتَيْن عظيمتَيْن ممتدّتين إلى آلاف السنين، سيتمُّ إدراج بعض الاقتباسات من تلك القصة فيما يأتي حتى تُعطي تصوُّرًا بسيطًا عن أسلوب الكاتب:[٣]
إنَّ الساعة لَتَطولُ كأنَّها الدهرُ عندما نقع في كرب أو بلاء، وإنََّها لتقصرُ كأنَّها ابتسامة عابرة عندما نجتاز النعيم.
لا شيءَ يُكتسَبُ بالخيال في هذه الحياة.
هي سماءٌ صمَّاء، لا يصلُ إليها دعاء، وهو عبدٌ طريح على أرض الشقاء.
تلك مشكلةُ الدنيا التي لم تُحَلّ: وجودُ أغنياءَ وفقراء وسعداء وتعساء على هذه الأرض، من أجلِ هذه المشكلة وحدها ظهرَ الرسل والأنبياء.
فإنَّ الصبر في الفنِّ وفي الحبّ هو مفتاح الطريق.
إنَّ المسؤول عن انهيار مملكةِ السماء هم رجال الدّين أنفسهم، أولئك كان ينبغي لهم أن يتجرَّدوا من كلِّ متاع الأرض، ويظهروا فى زُهدِهم بمظهر المنتظر حقًّا لنعيم اَخر في السماء.
سأعتصمُ بالسماء ضدَّ هذا الحبِّ الأرضيّ.