بعد يوم عمل طويل، نادتني طاولة المقهى الدائرية الصغيرة والكرسي المحندق، أجلس باستسلام فأستدعي لحظات من الهدوء بين تيارات أفكاري المتقاطعة، ذهني مزدحم كمحطة قطار مكتظة بالمسافرين في موسم الأعياد! أحكم “كلفتة” البالطو الثقيل في محاولة لقهر البرد وأتأمل كوب الكاكاو الساخن، عجيبة هي قطع المارشميللو الاسفنجية التي تعلو قمته بخفة وكأنها سحابات صغيرة انسحبت خلسة من السماء لتستقر بين يدي! يتسرب إلى الدفء ومعه إحساس بالرضا عن الكون من حولي.
كل منا يحب اقتناص الأهم والأجمل والأبهى من الحياة، ومع الخبرة نتعلم أن الأغلى ثمنا ليس الأكثر إمتاعا بالضرورة، بل تكمن المتعة في التفاصيل الصغيرة وتأثيرها الفوري الذي يظهر في نظرات الأعين اللامعة، وإحساس مباغت عميق يتسلل بين طرقات العقل الباطن، مطلقا سحبا وردية اللون ومرددا صوت موسيقي ناعمة تدعوك إلى الرقص حتى وإن كنت متعبا.
أنت قادر على ابتكار قمم صغيرة لنفسك، تستمع بها حتى وإن كانت مؤقتة، نعم… أتحدث عن قمم سرية لا يعرفها ولا يستطعمها ولا يعشقها سواك، تصل إليها خلال اليوم ولا تحتاج إلى كفاح أو جهد منك، بل تتحقق دون عناء وبكسل متعمد. الأمر يحتاج فقط إلى بعض الخيال، لتمتع نفسك بانتعاشات بسيطة تصل بيومك إلى قمته العالية من أقصر الطرق وأسهلها، كحبات المارشميللو التي تذوب في فمي بينما أكتب الآن، أو الاندماج في مشاهدة فيلم مثير للمرة الأولى، أو فرصة قراءة كتابات كاتبك المفضل قبل الطبع، أو لمسة من أحمر شفاه مميز تتوج الطلة برونق خاص، أو كقبلة خفيفة تهديها لمن ت حب بين طقوسك الصباحية، بينما تدخر للمساء هدية يومية تهديها لنفسك… تسترخي على كرسيك المفضل مستمعا لأغنية تحبها بينما تهمأ بقطعة من البطاطا الساخنة، سيكون التهامها لحظة جذابة ولذيذة من اليوم بلاشك.
التفاصيل وجودتها هي التي تمنح الحياة طعمك ورائحتك الشخصية، لم لا تمنحها القليل من وقتك، تحسنها وتعتني بها وتشكلها على هواك، هي مفتاحك المضمون لتعيش على القمة كل يوم، فأنت تستحق شحنة من الدلال.
سوسن مراد عز العرب