قصة الحمار والحمارة
جلسَ الجدّ وحوله أحفادُه قاصًّا عليهم قصة الحمار والحمارة، فقال: كان يا ما كان في غابر الأزمان كان هناك حمارةٌ قد أنجبت حمارًا صغيرًا وقد تعلّق قلبها به، وذلك بعد أن فقد أباه وهو بعمر صغير، وشعرت اتجاهه بحزن وأسى على ما سيقاسيه في هذي الحياة وهو بلا سند أو أب يقف بجانبه، فقرّرت أن تحمل عنه أعباء الحياة ولا تشعره بأي ألم من ألامها، وبدأت بالعمل بجدٍ وتعب وابنها الذي اسمته حمرون لاهيًا لاعبًا لا ىيشعر بمرارة أمّه بشيء، مضت الأيام والحمارة بكدها وتعبها وهي تحمل الأثقال مكابدةً الآلام وابنها الحمرون الصغير يمضي أيامه يلهو بالمرج ويطارد الحشرات، ومالك هذا الحمار والحمارة لا يهمه الأمر طالما عمله يُنجز على أتم وجه.
وفي ليلةٍ من ليالي الشتاء الباردة رجعت الحمارة الأم من عملها متعبةً وقد خارت قواها، لتستيقظ في اليوم الثاني وهي غير قادرة على التحرك من مكانها، جاء صاحب الحمار والحمارة صباحًا ليصطحب الحمارة للعمل، وإذ بها لا تقوى على الحراك، فأخذ حمرون إلى العمل بدلًا عن أمه المسكينة، ولكنْ، ولأنّ أمَّه أفرطت في دلاله ولم تعلّمه تحمل مشاقّ الحياة، ذهبَ غيرَ عالِمٍ بما سيلاقيه من أهوال وتعب.
بدأ الرجل بعرضه في السوق كي يستأجره الناس لحمل أمتعتهم وبضائعهم، وما إن كان يستأجره أحدهم ويضع أمتعته عليه حتى يخر ساقطًا على الأرض مفسدًا البضاعة وقد أحب حمرون هذا الأمر، فقد ارتاح به من العمل وبذل الجهد، واتبع هذي الطريق للتفلت من العمل والتقاعس والهروب من المسؤولية، فقد نشأ حمارًا مدللًا لا يكترث لأمر أحد، ومع مرور الأيام لم يعد أحدٌ يجرأ على الاقتراب من هذا الحمار فقد كان يفسد بضاعتهم وأخذوا ينعتونه بالحمار الضعيف والفاشل، وبهذا قد خسر الرجل باب رزقه ولم يعد يملك المال ليشتري القوت للحمارين العاطلين عن العمل.
رجَعَ صاحب الحمار والحمارة مهمومًا لزوجِه مستشيرًا إيّاها بالأمر فأخبرته عن سيركٍ سمعت به في القرية المجاورة وقالت له علهم يحتاجونهما هناك، فقرر بيع الحمار والحمارة للسيرك، وبهذا يكسب بعضًا من المال ويتخلص من عبء إطعامهما، وعندما انتقل حمرون وأمه إلى السيرك حزنت الأم كثيرًا فقد كانت المرة الأولى التي توضع فيها بقفص وتحرم من حريتها، أما حمرون فقد اغترّ بالأعلام الملونة هناك وبالزينة والثياب البراقة وشعر، وكأنه قد أصبح في النعيم مرتاحًا من حياة الأسواق وذاك الفلاح البائس.
وفي الصباح الباكر جاء رجلٌ بثيابه الملونة باتجاه حمرون وقاده للعمل وحمل سلال الطعام وجرار الماء للحيوانات في الأقفاص، وما انقضى النهار وحل الليل إلا وحمرون قد أُنهكت قواه بعمل السيرك، فحاول حمرون أن يتبع نفس الطريقة التي اتبعها في الأسواق ألا وهي إفساد الحمولة وكسر جرار الماء للتهرب من العمل والاسترخاء بدعةٍ وراحةٍ من غير عملٍ، ظانًا منه أنهم سيدعونه بلا عمل كما حدث مع صاحبه القديم، ولكنّه لاقى بالسيرك معاملةً قاسيةً وضربًا بالسياط، وأجبر على العمل الشاقّ، فقد كان يُحرم من الطعام إن لم يعمل.
مع مرور الوقت، وخوفًا من سياط مالكيه في السيرك التي كانت تلهب ظهره وهروبًا من الألم الذي كان يعاني منه لرؤية أمه تتضور جوعًا بد أ يعمل بجدٍ واجتهاد من غير مضيعةٍ للوقت فقد كانوا لا يطعمون الحمار والحمارة الأم إن لم يعمل الحمار الابن، وتعلم درسًا قاسيًا أنه من لا يعمل لا يأكل، ولكن بعد أن حُرم حياة الحرية بالحقول والمروج وبقي حالمًا بالعودة للطبيعة يومًا متذكرًا طفولته السعيدة التي قضاها هناك، وأحس بقيمة مالكه القديم بعد أن عانى من القسوة هنا.
أمّا أمه فكانت دائمًا ما تشعر بالحزن والأسى على ابنها حمرون، فقد علمت أنّها بتربيته على عدم تحمّل المسؤوليّة وإفسادها إياه بتركه دون توجيه، كلّ هذا كان سببًا بفشله وألمه الذي يقاسيه الآن؛ فلو كانت أحسنت تربيتَه ما كان نشأ حمارًا مستخِفًا بمن أمامه وبعمله مُفَضِّلًا حياة الدّعة والراحة، ثم قال الجد لأحفاده بعد أن انتهت قصة الحمار والحمارة: يجب أن تتعلموا أنّ لكل شخص عملًا يجبُ أن يتقنَه.