قصة الفيل والنملة
كان ياما كان، في قديم الزّمان، وسالِف العصر والأوان، كان هناك غابة بعيدة، تعيش فيها الحيوانات بسعادة، كانت الغابة تجمع كلّ أنواع الحيوانات، كانت تضمّ حتّى الحشرات، كان فيها الجميع يعيش في بيوتهم آمنين، من النّملة إلى الفيل. النملة والفيل؟! صحيح، قصة الفيل والنملة المشهورة حدثت في هذه الغابة، وبعد قليل سيروي هذا المقال قصة الفيل والنملة المشهورة التي حدثت في الغابة البعيدة.
في يوم من الأيّام كان قطيع من الفيَلَة يمرّ في الغابة، ولأنّ الفيل كبير فلم يرَ النمل الذي كان يمشي على الأرض، فداس مجموعة منها، ولم يسمع صراخهم لأنّهم صغار، فنادته ملكة النّمل أن أيّها الفيل الضّخم، مالَكَ لا ترانا، وقد دُستَ مجموعة من أصدقائنا، فنظر الفيل إلى الأسفل، ورأى النّملة، ولكنّه أجابها بغرور: ماذا تريدين أيّتها النّملة الصّغيرة، هل تريدين أن أدوسكِ مثلما فعلتُ بأصدقائك؟ أجابت النّملة بغضب: عُد أنت ورفاقك من حيث أتيتم، ولا تقربوا مساكننا، ولا تعُد لمثل ذلك، وإلّا أعطيتك درسًا لن تنساه أبدًا، هنا ضحك الفيل وأصدقاؤه من لهجة النّملة، وظنّوا أن أجسامهم مانعتهم من غضب النملة الصغيرة، وعندما ضحكوا غضبت ملكة النمل وتسلقت ظهر الفيل ودخلت في أذنه وصارت تعضّه، والفيل يصرخ ولا يستطيع إخراجها، واستنجد بأصدقائه ليخلّصوه منها، ولكنّ النّمل هدّدوا الفيَلة إن حاولوا إنقاذ صديقهم فإنّهم سيلاقون مصيره نفسه، وسيدخل النّمل في آذانهم، ويعضّونهم كما فعلت ملكة النّمل مع زعيم الفيَلة.
وعندما وجد الفيل أنّ لا أحدَ يستطيع مساعدته قرّر أن يعتذر للنّملة عمّا فعل، ووعدها أن يخرج من المكان الذي يسكنه النّمل، وألّا يعود إليه حتّى يأذنوا له، وقرّر أن يقدّم لهم طعامًا، ولكنّ ملكة النّمل رفضت، وقالت للفيل: إن قبلت منك الطّعام اليوم، فإنّني ورفاقي سنعتمد عليك، ونحن لا نحب الاعتماد على أحد، نحن مجتمع نشيط يحبّ الاعتماد على نفسه؛ لأنّك إن كنت اليوم معنا فربّما لن تكون غدًا، وإذا اعتمدنا عليك ثمّ رحلت عنّا فإنّا سنموت جوعًا؛ ولذلك سنعتمد على أنفسنا.
والعبرة من هذه القصّة؛ أي قصة الفيل والنملة تتلخّص في أمرين: الأوّل هو أنّ الغرور ليس أمرًا جيّدًا، وسيوقع صاحبه في المتاعب لا محالة، وأنّ سلاح المرء الوحيد هو عقله مع الحكمة، وهذا ما جعل النّملة تتغلّب على الفيل الضّخم في هذه القصة؛ فالفيل مع ضخامته إلّا أنّه لم يستطِع إخراج نملة صغيرة من جسمه، وجعلته هذه النّملة يطلب المغفرة والصّفح، فالنّملة برجاحة عقلها علِمَت أنّ الفيل ليس له أصابع ليخرجها من أذنه، وخرطومه لن يستطيع حلّ المشكلة، والأمر الثّاني هو أنّ المرء عليه أن يعتمد على نفسه في تأمين متطلّباته واحتياجاته، وأن يكون نشيطًا ويترك الكسل؛ لأنّه لا أحد يستطيع أن يقوم بأمر المرء إلّا هو؛ فلو وافق النّمل على عرض الفيل، وصارت الفيَلة تجلب طعام النّمل، لملّت الفيَلة بعد وقت قصير، وصار النّمل بلا طعام! لذلك رفضت النّملة الحكيمة هذا الأمر، وأبت إلّا أن يعتمد النّمل على نفسهم، وبذلك يستمرّ العمل والنّشاط، ولن يكون لأحد فضلٌ عليهم، فهم يخدمون أنفسَهم بأنفسِهم. وهذه كانت قصة الفيل والنملة.