كائناتٌ جديدة في لوحات العراقي نور الدين أمين
أحيانا لا تكفي الكائنات الموجودة بيننا للتعبير عن عوالم الفنان المزدحمة بأشكال ومخلوقات مختلفة، فيفتح بابا واسعا ويُخرج لنا بعضها لتخبرنا قصة ما وتترك في بالنا مجموعة أساطير مجتمعة، تاركا إيّانا مدهوشين، مشغولين بالتعرف على كائناته بتناقضاتها وجمالياتها، كائنات تخصُّ فقط الفنان الكُرديّ العراقي نور الدين أمين.
فالدّيك الذي يصيح في عددٍ من صباحات لوحاته على سطوح مفرداته اللونيّة يظهر بجسد امرأةٍ – رمز الخصب والجمال- أحيانا، وأحيانا يحمل وجه تلك المرأة عددا من المخلوقات ويمتلئ شَعرها ورودا تفوح بالألوان، عوالمٌ سرياليّةٌ جميلة تتماهى ما بين الخيال والموروث التاريخي الحضاري، جاعلة اللامرئي جليّا وواضحا أمامنا عبر مفرداتٍ رشيقة تحملنا من قصةٍ لأخرى، حتى نتخم بتفاصيل وألوانٍ حاضرةٍ بقوة على أجساد المخلوقات، بخلفياتٍ مشغولةٍ من زخارف ناعمةٍ أحيانا، حيث تسيطر الذهنيّة الزخرفيّة ذات الألوان الحادة والمتنوعة والخطوط الرشيقة ذات الزخم الفني الميثولوجي على أعماله، فتبدو كمنمنماتٍ تتحرك في سياق الحدث بألوانٍ غنيّة وخطوط رشيقة توازن العالم الداخلي والعالم الخارجي، معتمدا في ذلك مبدأ التسطيح في بناء الحدث بشكلٍ شاقولي أو أفقي، وأحيانا على شكل حلزوني ضمن دوائر كالشموس تشع بالرموز والأيقونات ، محاولا نقل السُّحنة الإثنية الشَّرقية المحلية المتجليّة بالموروث العراقي بشكل خاص للعالم .
وإذا كان استخدام الرمز في الفنون بشكل عام يعكس منهجا فكريا ذا طابع فلسفي، يمكننا أن نغرق إذن في رؤى أعمال الفنان نور الدين الفلسفيّة ذات البنيان الرمزي، منمنمات ورموزا وأشكالا دقيقة تزيِّن مساحاته الحالمة التي يمنحها سحرا أسطوريا فريدا، بالإضافة للروحانيّة التي تعطيها الحروفُ العربيّة، حيث يعتمد نور الدين أمين على الحرف العربي كعنصرٍ زخرفيّ مزيِّن لخلفية اللوحة تارة، وكعنصرٍ أساسي في خلق تكوينات لوحاته، فالحروفيّة حاضرةٌ بقوة في بعض أعماله، وفي حين غياب الحرف والعنصر الزخرفي يحتفظ بانسيابيّة الحروف العربية والزخارف ورشاقتهما اللتين تبدوان ظاهرتين في لوحاته، فالخط يلعب دورا أساسيا في تشكيل الصورة والطابع المرئي لها عند الفنان نور الدين، حيث أن الخطوط واضحة تغلّف الأشكال بعنايةٍ بالغة وتؤطّر الكائنات والتمائم المكتوبة بسماكاتٍ متفاوتة لتنساب بعدها برشاقة مالئة خلفيّة اللوحة، ناقلة إيَّاها من كونها مجرّد لونٍ صامت إلى قصةٍ ثرثارة تحمل مئات المفردات ومعزوفةٍ غنيّة بنوتاتٍ لونيّة.
الألوان في لوحاته متفاوتة، داكنة وترابيّة أحيانا تعطي جوا من الهدوء والكآبة، ومنعشة ومفرحة أحيانا أخرى مليئة بالتفاؤل، تغطي مساحات صغيرة غالبا فاللوحة هنا تعتمد على تشكيلة لونيّة واسعة ولا تقتصر على لون أو اثنين، فهي عفويّة حرّة لا تعرف القيود شأنها شأن أعمال الفنان نور الدين أمين، السَّارحة في أفق الخيال العالمي، المقدِّمةِ لصورة حقيقيَّة وشاعريّة عن علاقة الفنان بتراثه ومناخه وكيف أوصلها للحاضر عبر مدّ جسور بنوع من الشفافية ذات الحساسيّة العالية نحو الحاضر بأسلوبه المتميز في العمل وشخصيته المتفردة التي طبعت أعماله الرائعة بختم خاص.
تشكيلية سورية
بسمة شيخو