كن قيصر الأفكار

أثناء سير جون في شوارع العاصمة اليابانية طوكيو، شاهد ساعة كبيرة تعرض الوقت، وبجانب أرقام الوقت كان هناك رقما آخر

في اليوم التالي مر جون من أمام ذات الساعة، لكنها هذه المرة كان تعرض ذات الرقم ناقصا واحد. أوقف جون أحد المارة وسأله عن هذا الرقم المتناقص، فأخبره أنه عداد يحسب كم يوم تبقى على مطلع القرن الجديد (عام ألفين).

توقف جون ليفكر، إن اليابانيين يحسبون الأمر بطريقة مختلفة، طريقة يمكن له تطبيقها في عالم التسويق بشكل أفضل. كان فريق جون لكرة السلة يلعب لمدة ستة شهور، ثم يرتاح مثلها، وكان التسويق للموسم الجديد يبدأ قبل انتهاء الموسم الحالي بشهرين، لكن فريق التسويق كان يبدأ العمل بشكل متراخ، عالمين أن أهم فترة هي تلك قبل بدء الموسم الجديد فعلا، لكنهم حين يأتي هذا الوقت كانوا يشكون أن ساعات النهار لا تكفيهم وأنهم يتمنون لو كان لديهم وقتا أطول.

لذلك، قرر جون إتباع منهج العداد العكسي، لا، ليس هناك ستة شهور متبقية، بل حذف الإجازات الأسبوعية والعطلات الرسمية، وكتب على اللوحة البيضاء على حائط قسم التسويق: الزمن المتبقي هو: 96 يوما (هذا الرقم افتراضي – على سبيل المثال). كل يوم عمل يمر، ينقص هذا الرقم، هل يريد أحد من الفريق أخذ إجازة؟ نقص العدد المتاح له بمقدار إجازته من أيام العمل.

هذا الأمر جعل الفريق يشعر بشكل أفضل بقيمة وأهمية كل يوم عمل. أراد جون جمع أسماء وعناوين مشجعي الفريق، فقدر الفريق أن هذه المهمة تستغرق شهرين، أي 42 يوم عمل تسويقي، ولذا بدأ العداد العكسي من 42 متناقصا مع كل يوم عمل يمر. حين بلغ هذا العداد صفرا، كان الفريق انتهى من المهمة ومستعدا لاستغلال حصيلة الأسماء والعناوين.

أين أجد بئر الأفكار؟

كل سنة، كان جون يجمع فريق التسويق ويذهبون في نزل يقيمون فيه يومين متتاليين، بدون خروج، والهدف، لا شيء سوى التفكير في أفكار تسويقية جديدة. كان على كل عضو في الفريق أن يأتي بخمس أفكار جديدة كل يوم، ثم يقف ليناقش البقية فيها وفي سبل تحقيقها وطرق النفع التي ستعود من ورائها. في العام التالي زاد عدد قسم التسويق من 5 إلى 20 ولذا قسم جون القسم إلى فرق أربع، وعلى كل فريق المجيء بالفكرة الأفضل.

لم يقبل جون الحجج الواهية بأن عضو في الفريق ليس لديه فكرة ما، إذ كان يرد جون بالقول أن على عضو التفكير في إجازته الأسبوعية وأن يكتب أفكاره هذه على الورق، وبذلك حين يأتي موعد معترك الأفكار، كان لديه رصيدا كافيا حتما، وكانت خطة جون تطلب من كل عضو فكرة واحدة في كل أسبوع، وبهذا يكون لديه أكثر من 50 فكرة كرصيد قبل دخول معترك الأفكار. (هذه الفقرة إهداء لقراء كثرة!).

قيصر الأفكار

نعم، كثيرة هي الأفكار، قليل هم الرجال الذين ينفذون. جعل جون لكل فكرة يتفق عليها الفريق رجلا يعمل على تنفيذها، من الألف إلى الياء، في حدود ميزانية يتفق عليها الجميع. ليس شرطا أن يكون القيصر المسئول عن التنفيذ هو من جاء بالفكرة، بل يجب أن يكون من الرجال الذين إذا وعدوا نفذوا. كانت صلاحيات قيصر الفكرة تتضمن الاستعانة بمن يراهم لازمين لتحقيق الفكرة من داخل الشركة. وظيفة قيصر الفكرة لم تكن تعني الإعفاء من بقية مهامه المعتادة، بل كانت عملا إضافيا بدون أجر.

كان لكل فريق من الأربعة قيصر، وكان جون يتابع معه سير خطوات تنفيذ الفكرة، ويقرر هل يمول الفكرة أكثر أم يوقف العمل على تنفيذها، وهذا الإيقاف لم يكن معناه فشل الفكرة، بل تأجيلها إلى وقت لاحق.

تحويل الميئوس منها إلى مُبشرة

هل هناك فكرة فاشلة؟ بالطبع نعم، لكن مثل هذه الأفكار يجب مناقشتها بشكل جماعي، وتحليل مكوناتها وتوضيح أسباب الحكم عليها بالفشل، ومن ثنايا هذا النقاش الجماعي ستخرج أفكارا أخرى تبشر بالخير والأرباح. إياك أن تترك صاحب فكرة يشعر بأن فكرته غبية، لا تدع هذه الطاقة السلبية تخرج من مكمنها فتصيب الجميع، بل ناقش هذه الفكرة “الغبية” واحرص على أن تخرج منها بأفكار أخرى أفضل منها، ابحث في أسباب فشلها وكيف تعالجها، فكر في شيء معاكس لها تماما، اعمد إلى تعديلها وتغييرها وتحويرها وتطويرها، وهكذا.

احرص على تشجيع كل من يأتي بفكرة جديدة واقعية، لكن قبلها شجع نفسك على طريقة التفكير المتفتحة هذه.

 

m2pack.biz