لغة الشكل في أعمال الفلسطيني محمد أبو زريق
الرباط «القدس العربي» من محمد البندوري: يتميز التشكيلي محمد أبو زريق بأسلوبه التشكيلي المتعدد المسالك الفنية والجامع لعدد من المفردات التفاعلية، والأشكال التعبيرية، والاستعمالات اللونية المنسجمة، وكل هذه العناصر تتوقف على ثيمات واقعية يضعها المبدع في محك المعالجة التشكيلية، عبر مسافات فنية تحدها خطوط تعبيرية مغلقة تستحوذ على معظم الفضاء، لذلك فهو يتخذ من التعبير اللوني والفضاء والأشكال الطبيعية والشخوصات التعبيرية المختلفة، مواد أيقونية للتعبير عن تأملاته البصرية للواقع، وعن خلجاته ولواعجه وشعوره بإلهام ورؤى فنية عميقة الدلالات.
ويروم المسلك الفني لديه غايات فنية ذات مضامين ومقومات أداتية تبدأ من بناء اللون في محاكاة الطبيعة، وطبيعة الشخوصات بنبض واقعي تأملي، لتتمظهر لغة الشكل والتصفيف الرمزي والعلاماتي وكل ما تحتويه أعماله من أشكال وعناصر فنية، مؤشرا مباشرا على وجود منحى إبداعي مدهش قوامه الفصيل الجمالي بين العمليات التأملية والواقع. فتتبدى جماليات الإيقاع المدجج بالحركة متنوعة بتنوع بناء اللون وبناء الجسد وفق قيم الظهور بالشكل التأملي، الذي يتفاعل معه المبدع بشيء من الوعي والسيولة الفنية والتنظيم المحكم، من خلال توجيه الكثافة اللونية نحو الحركة الغنائية، التي يتخذ منها بعدا فضائيا مثقلا بالإيحاءات لبعث الجديد الفني، ومادة لبناء اللوحة التشكيلية في طابق مغاير، مُؤدى بلمسات فنية متجانسة ومتماسكة، تتبدى فيها القيمة التركيبية بين الألوان والخطوط والرموز والعلامات والأشكال، وهو توظيف منتظم في المساحة ومحسوس في لغة تشكيلية تحيل إلى تجربة الفنان وخبرته المبنية على الشكل الفني ، الذي يستجلي المضامين بأسلوب فني بارع، يضمر العديد من الدلالات في ثنايا ألوانه وأشكاله، في نطاق عملية الاختزال لبعض المفردات الشكلية التي توحي في بعدها المحجب عن مخزون صورة الواقع.
ريشة أبو زريق تتغيا المسار المعاصر، والتوظيف الجمالي لعمق اللون ودلالاته، لإبداء خصوصية الملمح الرمزي في ذائقة الإمتاع الفني في الصورة الواقعية، المركبة من عناصر مضمرة وأخرى بائنة على الرغم من عامل اكتساح المساحات بعفوية وتلقائية أحيانا. إلا أن الشحنات السميولوجية، وبعث رزمة من الأشكال المربعة والمستطيلة والخطوط والرموز التي تحيط بالشخوصات وبالأشكال الطبيعية، كلها عناصر تدعم عمليات التنظيم الفارقي بين ما تحتويه الصورة الواقعية بصريا وما تختزله من ورائيات تدعم بدورها المسار التحديثي والبعد الجمالي والقيم الفنية المعاصرة. ويتبدى أن هذا التأطير يأتي في سياق التجربة الفنية المائزة للمبدع محمد أبو زريق، الذي يروم الواقع الفني المعاصر باستعمالات فنية تتجدد وفق فلسفته الخاصة، ووفق محددات فنية ذاتية ناتجة عن تفاعلية التأمل في الواقع، وهي في مجملها تجربة رائدة يسخر لها الفنان التقنيات العالية، ليُموضعها في وضع تشكيلي مخالف للمألوف، يتغيا التحرر من القيود المعيقة للإبداع، وهو ما يستحضر مشروعه التشكيلي الذاتي، الذي يتأسس على بؤرة التكثيف والتفريق والتشكيل، بنوع من المزج بين مفارقات التداعيات البصرية والرؤى التخييلية والمضمرات الفنية والمضامينية، ليؤجج السحر الجمالي بتأثيرات كل ذلك في وعاء فني، تُؤكد فيه القيمة الزمنية حضورها، باعتبار أن حركية معظم المفردات التشكيلية والعناصر الفنية ترتبط بالحاضر والمستقبل، في سياق توليفي يمتزج فيه التعبير الرؤيوي التصوري والتعبير الحسي/ البصري بالمجال السيميائي، ليصنع مجالا تعبيريا رمزيا علاماتيا أيقونيا دلاليا، يجعل النص التشكيلي الواقعي قابلا لتعدد التأويلات، ما يجعله ينطق بقيم فلسفية وفكرية وجمالية.
العين
لغة الشكل في أعمال الفلسطيني محمد أبو زريق