لكل منا ماثلته
2 من أصل 3
والتلميذ الذي يقرأ قصة نابليون يحلم كثيرًا، وهذه الشخصية القوية تمثل أمامه فيتخيل نفسه قائدًا عظيمًا، وهو يندفع إلى جمع الكتب والصور عن نابليون، بل هو يدرس التاريخ العام بحافز من نابليون، وهو عندما تحدثه لا يصرح بأنه يريد أن يكون نابليون، وقد يكون صادقًا؛ لأن هذه النية كامنة وليست صريحة، ولكن هذه الماثلة تمثل في ذهنه وتحركه إلى دراسات مختلفة، وهو في النهاية عندما يحين التحاقه بالجامعة يجد إغراء عظيمًا في الكلية الحربية، وهناك شاب آخر لا يزيد مرتبه في إحدى المجار على عشرين جنيهًا، ولكن عندما تستمع إلى حديثه تجد أنه يعرف التفاصيل الدقيقة عن ثروة عبود باشا أو كوتسيكا أو البدراوي باشا، وهذا يدلك على أنه قد نصب لنفسه ماثلة، وأنه يتخيل الثراء، وهو ينبعث إلى النشاط بهذا الخيال، وليس بعيدًا أن يترك وظيفته المتواضعة ويندفع في مغامرة مالية بقوة هذه الماثلة فيضيع كل ما جمعه، ولكن أيضًا ليس بعيدًا أن ينجح في مثل هذه المغامرة، والأغلب أنه ينجح لأنه درس هذا الموضوع في خياله.
ونحن في مجتمعاتنا المختلفة هذه يعين كل فرد منا لنفسه ماثلة يتجه نحو تحقيقها، ويعتقد أنه سوف يكونها، وهذه الماثلات أو المواثل تتجاوز عددًا محدودًا؛ فأحدنا يريد أن يكون ثريٍّا، فماثلته هنا عبود باشا، وآخر يريد أن يكون أديبًا فماثلته هنا قد يكون طه حسين، وآخر يريد أن يكون سياسيٍّا، فهو ينشد الخطابة ويدرس الصحف وينضم إلى الأحزاب ويسأل ويستطلع، وقد تكون ماثلته سعد زغلول، أو تشرشل، وآخر يريد أن يكون عالمًا مخترعًا فهو يرسم ماثلته بحيث تتلاءم مع حياة أديسون … إلخ.