ما الذي نحتاجه أكثر.. القيادة أم الإدارة؟
كل ما أستطيع تذكره هو أننا كنا نبحث عن مديرين بمهارات قيادية؛ لأن صفة القيادة تمثل الحل المثالي لجميع المشكلات والتحديات التي تعترض الشركات، القيادة هي الصفة الدائمة التي كنا نبحث عنها في كل المتقدمين، ولكن بعد تفكير وخبرة عميقة، أنصح بقراءة ما يلي لتتضح لديك أهمية المعيار الآخر الذي نبحث عنه بقدر مساوٍ ألا وهو “المهارة الإدارية”.
هل يمكن الفصل بين هذين المعيارين؟ وهل من الممكن أن يكون أحدهما أهم من الآخر؟ أجد نفسي مدفوعاً بإحساسي الفطري كاستشاري في هذا المجال إلى الإجابة بالقول: “هذا يتوقف عليك”. بعبارة أخرى، يعتمد الجواب الحقيقي عن هذا السؤال على تفهم طبيعة عملك وما يفرضه من تحديات.
وأود هنا أن أسوق مثالاً عن مدير عمل سنوات عدة في أحد بنوك الخليج، حيث عرف خلال تلك السنوات بشخصيته القيادية القوية، ولابد من الاعتراف بأن هذا المدير قدم للبنك رؤية خاصة مكنته من الحصول على الاحترام والإخلاص من موظفيه، لكن الشيء الغريب الذي حصل في ظل قيادته، هو أن مستوى القروض انخفض بشكل ملحوظ أدى في النهاية إلى انهيار العناصر الأساسية التي يستمد منها البنك قوته، وكان من الواضح أن الموظفين لم يكونوا على دراية بما حصل، وكيف أصبح البنك في موقف لا يحسد عليه.
إذا نظرنا اليوم إلى البنك ذاته، نجد أنه من أكثر البنوك قوة وأكثرها ربحية في الشرق الأوسط، لقد استطاع تحقيق هذا الإنجاز عبر شخص آخر تمكن من تقديم شيء مختلف عما قدمه خلفه.
في الواقع، يمتلك المدير الجديد صفات شخصية تمزج بين التصميم والثبات والفهم العميق للأمور، وتجعله أحد أهم المصرفيين قدرة وتجاحاً، وقد تمكن من تحقيق هذا الإنجاز لقدرته على اتخاذ القرارات الصحيحة في الوقت المناسب والمتابعة الدقيقة والعناية بالتفاضيل، والتأكيد باستمرار من وجود الموظف المناسب في المكان المناسب، فإن نجاح هذا المدير يعزي إلى الإدارة الجيدة وليس إلى ملكاته القيادية.
ولا أعتقد أن هذا الرجل اخترع المعجزات، إلا أنني متأكد من أنه جدير بالثقة لقدرته على إنجاز العمل المطلوب منه بنجاح.
هذا هو المفهوم الحقيقي للقيادة، وليس صحيحاً ما نعتقده كرجال بأننا نمتلك هذه الصفة بالفطرة، وهذه الحقيقة البسيطة تفسر إطلاقنا الصراخ والوعيد لنبدو قياديين أمام الناس، وأما الأمر الذي نغفل عنه فهو أن القيادة الحقيقية قد تتوافر لدى أكثر الناس هدوءاً وتنظيماً ودقة، وليس أشدهم بأساً كما يعتقد بعضنا. وانطلاقاً من هذا المفهوم المغلوط للقيادة، فإننا نبخس المهارات الأساسية في الإدارة حقها، متوهمين أنها لا تناسب سوى بائعي المحلات والموظفين الصغار، وبشكل عام تعد الإدارة الجيدة التي تعتمد على التصميم والعمل المتواصل من أهم أساسيات العمل الناجح وضمانات زيادة النمو والأرباح.
هذا لا يعني بالضرورة أن المدير الجيد ليس قائداً ناجحاً؛ لأن المدير الجيد يستطيع بسهولة كسب الاحترام والمهابة التي تجعله قائداً فاعلاً ومؤثراً، يضاف إلى ذلك ضرورة أن يمتلك بعض المزايا القيادية لا غنى عنها لمواكبة التغيير والنمو والمنافسة الحادة، مثل الرؤية والشمولية والاستراتيجية والإبداع والشغف بالعمل والحافز والشخصية والأخلاق.
وبالتالي فإن اختيارك بين القيادة والإدارة يعتمد بالدرجة الأولى على طبيعة عملك، ولكي يبقى هذا الاختيار صحيحاً يجدر بك أن تجمع بين الحزم والمهارة؛ لأن العمل الجيد لا يمكن فصله عن المنافسة، كما أنه لا يوجد عمل ناجم ما لم يواجه التغييرات والتقلبات، ولهذا من فمن المفيد في بعض الأوقات ترجيح كفة الإدارة على حساب القيادة والعكس صحيح، مع التذكير الدائم بحاجتنا للميزتين معاً.
مما لا شك فيه، أن اختيار المدير المناسب أمر في غاية الأهمية؛ لأن البعض يمتلك بالفعل مزيجاً من القيادة والإدارة، في حين يفتقر الكثيرون لوجود الأثنتين معاً، ولتجاوز هذه المشكلة، أنصح بالبحث عن مدير عام يمتلك قدرات ومهارات المدير التنفيذي لضمان الحصول على مزيج من الإدارة والقيادة معاً.