محاولة أخرى لإنقاذ السينما المصرية برسم الانتظار!
القاهرة- «القدس العربي» كمال القاضي: كان لتصريحات وزير الآثار المصري خالد عناني بتخفيض أسعار التصوير السينمائي في المناطق الأثرية إلى 50 أصداء واسعة في الوسط الفني، خاصة من جانب شركات الإنتاج، التي ظلت تعاني من المبالغة في رسوم التصوير لفترة طويلة، واعتقدت أن جزءا كبيرا من مشكلة صناعة السينما كان نتيجة هذه المبالغة. ورغم الاحتفاء بالقرار إلا أن نفرا من الناس ساورهم شك في أن يدخل القرار حيز التنفيذ ويترجم إلى واقع حقيقي، ربما بفعل تأثير الأزمة التي استمرت طويلا، أو فقدان الثقة في تصريحات السادة الوزراء التي يمتد تنفيذها عادة إلى شهور وسنوات.
عدد من المتفائلين يرون أن قرار التخفيض لو صح سيوفر ملايين الجنيهات في عملية الإنتاج، وسيزيد بالطبع من معدل إنتاج الأفلام ذات الخلفيات التاريخية، أو الأثرية، أو تلك التي تدور أحداثها في مناطق سياحية، بغض النظر عن ارتباطها بالموضوع التاريخي من عدمه، فضلا عن أن التخفيض سيؤدي إلى ترشيد الميزانية، بالحد من نفقات التصوير الباهظة وكلفة السفر إلى بعض الدول المنافسة كالمغرب، على سبيل المثال، التي نجحت في استقطاب عدد كبير من أصحاب المشروعات السينمائية الضخمة، بإتاحة الفرصة للتصوير في الأماكن الأثرية بأسعار في متناول الشركات الصغرى، غير أنها خففت كثيرا من الإجراءات البيروقراطية، لزوم إنجاز المهام السينمائية، فاستطاعت تحقيق معدلات متقدمة من حيث الدخل القومي، لأنها ضربت عصفورين بحجر واحد، أنعشت الاقتصاد وروجت للسياحة، وفي الوقت ذاته قدمت نفسها كدولة صاحبة حضارة.
تركيا أيضا نموذج آخر في هذا المجال، بتقديمها تسهيلات ضخمة لشركات الإنتاج السينمائي والدرامي، واستمرت تدعم الفنون والسياحة حتى صارت منافسا قويا في المنطقة، قبل أن يتنبه وزير الآثار المصري لقيمة الفن والثقافة، كمقومات ضرورية للنهوض بالسياحة، ويدرك أن الحذر لا يمنع القدر، حيث المبالغة في دعاوى حماية الآثار لن يمنع جرائم العبث بها، أو السطو عليها، وأن الأفضل من الحيطة والحذر هو التنسيق ما بين وزارة الآثار ووزارة السياحة وغرفة صناعة السينما، للاستفادة العامة ودراسة الكيفية المثلى لإنعاش الاقتصاد والسياحة والسينما، كمثلث نهضوي مهم يمكن أن يسهم في حل مشكلات كثيرة.
ويشار في هذا الصدد إلى التجربة السينمائية التي تقوم بها ليلى علوي، متمثلة في فيلمها الأخير «سيدة النيل»، الذي يتم تصويره حاليا في عدد من المناطق الأثرية، ومن المتوقع أن يستفيد من امتياز التخفيض في رسوم التصوير، وفقا للقرار الوزاري المرتقب. ويعد الترحيب بتصوير الأفلام الأجنبية في مصر خطوة إيجابية مضافة للخطوة الأولى، فهذا يعني الانفتاح على العالم، بتقديم أكبر خدمة دعائية يمكن من خلالها محو الآثار السلبية للمعوقات السابقة، التي كانت تحول دون تمكن شركات الإنتاج الفني الأجنبية من التصوير داخل أي من المدن المصرية، إلا بشروط ومراحل كثيرة لابد من اجتيازها. وأمام صعوبة الحصول على الموافقات كانت تحبط محاولات ومشروعات سينمائية عديدة، وتهدر الملايين من العملات الصعبة المستهدفة من أي نشاط فني أو سياحي أو تجاري، وهو موطن الخلل في منظومة التنسيق الغائبة منذ سنوات. وتسعى الوزارات المعنية الآن إلى تدارك أخطائها بوضع خطط إستراتيجية لتصحيح مسارها، ونأمل ألا يكون ذلك مجرد حبر على ورق.
في نهاية الأمر لابد من تفعيل سريع لقرار تخفيض رسوم التصوير السينمائي والتلفزيوني في المناطق الأثرية بشكل واقعي ملموس، حتى يتسنى البدء في مشروعات إنتاجية حقيقية كبرى، يتحدد على أثرها مستقبل الصناعة السينمائية والدرامية والسياحية أيضا.