محركو الجماهير 3من اصل3
وهنا يجيء القائد لكي يقودهم. ويمكن أن تحل محله (ولكن بشكل ناقص جدًا) تلك المطبوعات الدورية التي تصنع الآراء لقرائها وتؤمن لهم جملًا وعبارات جاهزة تعفيهم من عناء التفكير.
إن سلطة القادة استبدادية جدًا، ولا تتمكن من فرض نفسها إلا بواسطة هذه الاستبدادية. وكنا قد لاحظنا مدى السهولة التي يفرضون طاعتهم بها على الجماهير على الرغم من أنهم لا يمتلكون أي وسيلة لدعم سلطتهم في الطبقات العمالية الأكثر شغبًا. فهم الذين يحددون ساعات العمل، ويقررون موعد الإضرابات، ويفرضون بدايتها ونهايتها كما يشاءون.
ويميل قادة الجماهير اليوم إلى أن يحلوا تدريجيًّا محل السلطات العامة كلما تركت هذه الأخيرة نفسها عرضة للمجادلة والإضعاف والنقض. ويستطيع هؤلاء الأسياد الجدد عن طريق طغيانهم أن يحصلوا من الجماهير على طاعة وانقياد أكبر بكثير مما تحصل عليه أي حكومة. وإذا ما حصل أن مات القائد بحادث ما ولم يستبدل به فورًا فإن الجمهور يتحول إلى تجمع بشري فقد تماسكه ومقاومته. ونضرب على ذلك مثلًا إضراب شائقي الباصات في باريس، فقد كان كافيًّا أن تقبض السلطات العامة على محركي الإضراب لكي يتوقف فورًا. والشيء الذي يهيمن على روح الجماهير ليس الحاجة إلى الحرية وإنما إلى العبودية. ذلك أن ظمأها للطاعة يجعلها تخضع غرائزيًّا لمن يعلن بأنه زعيمها.
ويمكننا تصنيف محركي الجماهير وقادتها إلى فئات متمايزة بما فيه الكفاية. فبعضهم رجال نشطون ذوو إرادة قوية ولكن آنية ومؤقتة. ويعضهم الآخر أكثر ندرة بكثير، وهم يمتلكون إرادة قوية ودائمة في آن معًا. والأولون يبدون عنيفين، شجعانًا، جريئين. وهم يصلحون بشكل خاص لتوجيه ضربة خاطفة، وجر الجماهير إلى ما يريدونه على الرغم من وجود الخطر، ثم تحويل منهكي الأمس إلى أبطال. نضرب على ذلك مثلًا ني ومورا(1) في ظل الإمبراطورية الأولى. ونضرب على ذلك مثلًا في أيامنا هذه غاريبالدي، المغامر بلا موهبة. ولكنه كان نشطًا وقد نجح بمساعدة حفنة من الرجال في اقتحام مملكة نابلي القديمة على الرغم من دفاع جيش قوي ومنظم عنها.