مدرسة الحمير 1من اصل2
ولكن لا تحسبن أن الحمار الأرستقراطي يولد هكذا، فإنه حينئذ لا يختلف عن بقية أطفال الحمير… شعرها لا يزال زغبًا ناعمًا، لها شوشة منفوشة فوق جبهتها، كأنها حملان كبيرة، ضخامة الرأس إذا قيست إلى البدن علامة هذه الطفولة وكأنها تعدنا بعقل جبار، وستصحح النسبة عند البلوغ، حياتها قفز ولهو ولعب… المفاصل مركبة على صواميل لا تزال لينة فالخطورة فوضى، ستفسد فيما بعد ما فرط من الحرية وتتخشب ويصبح الظهر لراكبه من ألعاب العذاب في لونابارك… حينئذ ينبغي إنقاذ ابن الأكابر من هذا الخطر الداهم، آن الأوان لإرساله للمدرسة لتعلم المشي، لا المشي الذي يريده هو، بل المشي، لا المشي الذي يريده هو، بل المشي الذي يريده له الإنسان.
نعم… وجدت للحمير مدرسة عجيبة يديرها رجل في إحدى القرى اسمه الشيخ شعبان ويجعل منها أكبر مورد ارزقه…
وهي مدرسة مختلطة، من تلامذتها الحيول، التي يطلب أصحابها أن تمشي مشية الرهوان، وأغنياء الفلاحين مغرمون بهذه المشية غرامًا شديدًا ويرونها ليس مثلها علامة على الأناقة والصبونة، وهي مشية تحتاج إلى تعليم طويل، وتدريب أطول لا يحسنه إلا المتخصصون أمثال الشيخ شعبان.
ومن تلامذتها الحمير الأرستقراطية يطلب منها أن تكف عن الفوضى واختلاف حركة كل مفصل عن الآخر، وأن تعرف أن المشي كالرقص له أصوله وقواعده، حتى يصبح الظهر كالبحر الهادئ لا الهائج، وهذه مشية تحتاج أيضًا إلى معلم صبور…
وهي مدرسة خارجية داخلية… في القسم الخارجي تلاميذ الجيران، يأتي الرجل بالتلميذ كل صباح ثم يتسلمه عند الغروب، حتى لا يدخل في أجر الشيخ شعبان حساب وجبة العشاء… وتلاميذ القسم الداخلي يأتون من بعيد مع كل تلميذ زاده وزواده: كيسان أو ثلاثة من الفول والتبن، وينصرف صاحبه ليبقى التلميذ بالمدرسة إلى أن ينال الشهادة.
وقد حضرت أول قدوم لبعض تلاميذ القسم الداخلي إلى المدرسة، وانتبهت إلى الحمار حين ينتقل من يد يعرفها لا يوجس منها شرًا إلى يد جديدة تنم هي وصوت صاحبها عن جد لا يعرف الهزل،