مسيرة محمد خان السينمائية في لوحات فوتوغرافية ناطقة
تستدعي ذكرى رحيل المخرج محمد خان الشجون والأشواق، فيقيم صندوق التنمية الثقافية التابع لوزارة الثقافة المصرية معرضاً يضم عدداً وفيراً من صور أفلامه، في ابتكار جديد للاحتفال بالمبدع الراحل، وتعويضاً عن حالة الفقد المؤلمة التي سببها رحيله المفاجئ قبل عامين، وفي أجواء السينما والفوتوغرافيا نرى خان وقد أطل علينا من بين اللوحات الناطقة بالفكر والفن والإبداع، وواصل الحوار الذي انقطع بالرحيل، فعدنا معه لسنوات التألق والنجومية منذ كان شاباً يتعلق حديثاً بالسينما، ويبدأ رحلته الفنية من أول أفلامه «ضربة شمس» وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره، فيكون الاكتشاف المبشر بموهبة كبرى ومدرسة جديدة في الإخراج الحديث، الذي يعلي من قيمة الصورة السينمائية كبطل حقيقي للأحداث، ويقلل من هيمنة الحوار المعهودة في السينما التقليدية، التي ظلت لسنوات تفرض نفسها بحكم الذوق العام الذي لم يكن يستسيغ العمل الفني، بدون حدوتة ينتصر فيها الخير على الشر، وهي الثيمة القديمة التي غيرها خان وأتى ببطلة رئيسة تبدأ بها الأحداث وتنتهي من غير كلمة واحدة، وهو الدور الذي جسدته باقتدار الفنانة الجميلة ليلى فوزي، في فيلم «ضربة شمس» واختلف أداؤها كلياً وجزئياً، فكان علامة مميزة لا تزال محفورة في أذهان الجمهور إلى الآن.
ولما عبر المخرج الشاب بوابة الاختبار الصعب في التجربة الأولى، بدعم من الفنان المغامر نور الشريف، الذي تحمس آن ذاك لإنتاج الفيلم، دخل خان بقدمه اليمنى عالم الإبداع السينمائي، وتواترت أفلامه واحداً تلو الآخر وتشكلت المسيرة وتبلور الجهد، وبزغت الموهبة الصادقة في أمارات فنه الراقي، فكان إبداعه الذي تترجمه الآن الصور الفوتوغرافية في المعرض التذكاري الفريد في قاعة الهناجر في دار الأوبرا المصرية، حيث تحمل الصور سمات المراحل في حياة خان، إنساناً وفناناً انحاز للقيمة وانتصر للجمال، وظل باراً بالفقراء والبسطاء.
في فيلمه «موعد على العشاء» تسجل الذاكرة الفوتوغرافية معاناة المخرج، وهو يجلس القرفصاء في صندوق سيارة بيجو ضيقة للغاية من أجل تصوير لقطة للبطلة سعاد حسني مع أحمد زكي وحسين فهمي بإحساس معين، يرى ببصيرته الفنية أنها تستحق المعاناة، وفي أفلامه الأخرى، «زوجة رجل مهم» و»الحريف» و»سوبر ماركت» و»خرج ولم يعد» و»أحلام هند وكاميليا» و»الغرقانة» و»كليفتي» و»ملك وكتابة» و»مشوار عمر» و»أيام السادات» و»شقة مصر الجديدة» و»بنات وسط البلد»، و»قبل زحمة الصيف»، تتعدد زوايا التصوير والرؤى الإخراجية وتتبدى كذلك بساطة محمد خان وتفاعلاته وانفعالاته بالأحداث والكادرات، ووجوه الأبطال، فنلحظ تلك الألفة مجسدة في الصور ما بين لقطات تدل على عمق العلاقة بمستوياتها الفنية والشخصية، وحالة الانسجام الكاملة والاستغراق التام في فنه وإبداعه، ولا شك في أن الصور وشت بما هو أبعد من اللقطات وتكويناتها الفنية، فدلت على التميز في علاقته بنجوم معينين مثل أحمد زكي ونور الشريف عادل إمام وسعاد حسني، وهو ما يدرك بالحاسة السادسة لمن يشاهد اللقطات المليئة بالصدق والعفوية، ويتأمل أجواءها وتفاصيلها وخلفياتها، ويقرأ ما بها قراءة فاحصة، ويفسر دلالاتها ومعانيها وفق السياقات التي أخذت فيها والتواريخ والأزمنة المسجلة بكل صورة.
ليس المهم في معرض صور محمد خان هو توثيق اللحظات والتجارب الفنية وحسب، وإنما الأهم هو الحالة الوجدانية الحاضرة بقوة والكاشفة إلى حد كبير لطبيعة المبدعين الذين شكلوا الصور بوجوههم وابتساماتهم ومشاعرهم فبثوا فيها الروح لتصير معادلاً موضوعياً لذواتهم وملكاتهم.. تلك هي القيمة الحقيقية لسيرة الفنان المروية بالصور والذكريات والحاملة للسمات، وهو الإبداع الموازي لإبداع الصورة السينمائية الناطقة التي طالما حرص المخرج الراحل أن تكون حيه وصادقة وموحية.
٭ كاتب من مصر