في الوقت الذي تشهد فيه مصر ازمة طاحنة في مجال الطاقة لا سيما في الكهرباء ، بدأت الحكومة في البحث عن بديل آخر لسد أزمة الطاقة و انقطاعات الكهرباء المتكررة حيث تم التفاوض مع الجزائر بشأن الحصول علي احتياطيات من الغاز الطبيعي لدعم مصر من الغاز المسال .
وأكد خبراء الطاقة ان استيراد الغاز لا غني عنه لتوفير الاحتياجات مطالبين بتعديل الاستراتيجية المتبعة التي تعتمد علي المسكنات المؤقتة مشيرين إلي أن الغاز بأسعار مرتفعة لحرقه في محطات التوليد يعد فكرا بائدا لابد من تغييره موضحين ان الشحنات التي تم التفاوض بشأنها من الممكن أن تلبي الاحتياجات المرتقبة خلال الأشهر المقبلة .
وشدد الدكتور إبراهيم زهران الخبير البترولي الدولي أن الجزائر تمتلك احتياطيات جيدة من الغاز الطبيعي وتقوم بتصدير العديد من الأنواع سواء من خلال خطوط الانابيب أو الناقلات موضحا أن الشحنات التي تم التفاوض بشأنها من الممكن ان تلبي الاحتياجات المرتقبة خلال الأشهر القادمة وتحد من شدة الأزمة الخاصة بالانقطاعات الكهربائية بشرط وصول الغاز الجزائري بأقصي سرعة وعدم إرجاء التنفيذ إلي ما بعد نهاية الصيف .
وقال زهران إنه يتوقع شراء شحنات الجزائر بأسعار تتراوح ما بين 5 و 7 دولارات للميلون وحدة حرارية رغم أن أسعار التصدير الجزائرية تتعدي 11 دولار للمليون وحدة حرارية ، موضحا أن علاقات التعاون و الدعم الثنائي و المصالح المشتركة بين البلدين سيكون لها أثر إيجابي في تخفيض سعر توريد الغاز لمصر .
واضاف الخبير البترولي الدولي أن هذه الشحنات التي تم التعاقد عليها لاستيراد الغاز الطبيعي من الجزائر تقدر الشحنة الواحدة بقرابة نصف مليار قدم مكعب من الغاز ، منوها إلي أن إجمالي ما سيتم استيراده من الجزائر بقدر25 مليار قدم مكعب من الغاز لافتا إلي أن هذه الشحنات لن يتم إدخالها إلي مصر لاستخدامها محليا ، بل سيتم استخدامها لسد حصة الشريك الأجنبي بسبب استخدام حصته في قطاعات الطاقة المحلية منوها إلي أن هذا الأمر حدث العام الماضي مع كميات الغاز التي تم استيرادها من قطر ، حيث كانت لصالح الشريك الأجنبي و ليست للاستخدام المحلي لافتا إلي أن هذه الشحنات لن يستفاد منها في سد عجز الطاقة لمصر .
وأشار زهران غلي أن الغاز الذي سيتم استيراده من الجزائر ” مسال ” و لا بد من تحويله وأقرب ميناء لا ستقبال هذه الشحنات من الجزائر هو ميناء الاسكندرية وهو غير مجهز لاستقبال شحنات الغاز المسال وتحويلها ، بينما الميناء المجهز نسبيا هو ميناء العين السخنة ، ومن غير المنطقي أن يتم نقل شحنات من الغاز قادمة من الجزائر عبر البحر الأحمر لتوصيلها إلي ميناء العين السخنة .
ورأي الخبير البترولي الدولي أنه حتي عند وصول شحنات الغاز المستوردة من الجزائر أو أي دولة أخري فلا يوجد أي حل لتفادي انقطاعات الكهرباء و تقليل و تيرتها و تلبية الطلب المتزايد إلا بزيادة الأعتماد علي الوقود السائل وزيادة معدلات استيراده فضلا عن الالتزام بترشيد الاستهلاك .
وقال زهران إن الحكومة أو وزارة البترول لم تعلن عن خطتها لاستيراد الغاز و النتائج التي وصلت إليها المفاوضات لافتا إلي أن نقص السيولة و عدم طرح ” إيجاس ” للمناقصة المعلن عنها مؤخرا أمور قد تهدد صفقة الاستيراد علي مدي السنوات الخمس المقبلة .
من جانبه قال أبو العلام حمودة الخبير الدولي في مجال الطاقة ، إن زيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلي الجزائر كانت بمثابة بارقة أمل لدعم مصر بالغاز الطبيعي المسال باعتباره أحد الحلول العاجلة لتلبية احتياجات قطاع الكهرباء لحين زيادة الانتاج المحلي .
لافتا إلي أن التوجه نحو الدعم العربي تحديدا هدفه الحصول علي آليات دفع ميسرة و تسهيلات في طرق السداد .
وأكد حموده ان استيراد الغاز لا غني عنه لتوفير الاحتياجات مطالبا بتعديل الاستراتيجية المتبعه و التي تعتمد علي المسكنات المؤقتة ، مشيرا إلي أن شراء الغاز بأسعار مرتفعة لحرقه في محطات التوليد يعد فكرا بائدا لابد من تغييره .
وقال حموده إن حالة نقص السيولة الحالية وزيادة عجز الموازنة و إرجاء طرح مناقصة للاستيراد فضلا عن آليات التسعير للطاقة المستوردة و توجيهها إلي قطاع الكهرباء تحديدا أمور تصعب من إتمام صفقة استيراد الغاز لافتا إلي كل دول العالم تعتمد علي الكهرباء في الصناعة بنسبة 65% وفي المنازل و الانارة 35% لكن تلك النسبة معكوسة في مصر حيث إن غالبية الانتاج يوجه للانارة دون اي قيمة مضافة ، مطالبا بتوريد الغاز المستورد لوزارة الكهرباء بأسعار شرائه الحقيقية لحين تعديل المنظومة ، مشيرا إلي أن شراء الغاز من الجزائر أو غيرها و توريده ل ” الكهرباء ” بالاسعار الحالية يعني استمرار الأزمة في دائرة مفرغة .
من جانبه رفض الخبير الدولي المتخصص في مجال الطاقة حمدي الأسواني السعي للتفاوض مع أي دولة عربية أو اجنبية لاستيراد الغاز الطبيعي ، مؤكدا أنه من الأجدي أن تقوم الحكومة بالتفاوض مع شركات البترول الاجنبية العاملة بمجال البحث و التنقيب عن الغاز لتسديد مستحقاتها المتأخرة ورفع أسعار شراء الغاز الذي تنتجه لتشجيعها علي البحث و التنقيب بدلا من التفاوض مع الدول العربية .
وأوضح الأسواني أن أعلي قيمة اشترت بها الحكومة الغاز المنتج من الشركات الأجنبية العاملة بالسوق المحلية بلغت 4 دولارات للمليون وحدة حرارية ، في حين أن أسعار الاستيراد العالمية تتراوح بين ما 12 أو 14 دولار للمليون وحدة لافتا إلي أنه لا غني عن تعظيم الانتاج المحلي واكتشاف الكميات غير المستغلة منع عن طريق تكثيف التفاوض مع الشركات بآليات واقعية و مقنعة تحفزها علي التوسع بهدف زيادة الإنتاج و المعروض خلال عام .
موضحا أنه ضد استيراد الغاز إلا في حال قيام الحكومة بتوريده إلي قطاع الكهرباء بسعره الفعلي دون دعم .
وأشار الخبير الدولي غلي أن القطاع هو الجهة المسئولة عن توفير الغاز لتشغيل محطات الكهرباء و ليس وزارة البترول ، لذلك لابد من زيادة سعر توريده ل ” الكهرباء ” بالنسبة نفسها التي تم الشراء بها ، منوها إلي أن جدية الرئاسة و الحكومة تحتم تعديل السياسات و الآليات التي تزيد من الأزمة الخاصة بالتسعير وليس بالمعروض حيث إن المشكلة الحالية تخص آليات التسعير بشكل أكبر من معدلات الإنتاج أو المعروض ، مشيرا ان الدولة لا تتحمل جنيها إضافيا لا ستمرار دعم قطاع الكهرباء و استيراد غاز يتم حرقه ، لافتا إلي أن قدرات القطاع تبلغ 25 ألف ميجا وات كحد أقصي في حين ان معدلات الاستهلاك تصل في بعض الاحيان إلي 27 ألف ميجا وات ، الأمر الذي يخلق الأزمة التي لن يحلها الغاز بل ترشيد الاستهلاك .
وكانت شركة الطاقة الجزائرية سوناطراك ، قد أعلنت أنها وافقت علي توريد خمس شحنات من الغاز الطبيعي المسال لمصر قبل نهاية العام لمساعدتها علي مواجهة أسوأ أزمة الطاقة منذ سنوات ، حيث أوضح مصدر من الشركة المملوكة للدولة الجزائرية أن حجم كل شحنة 145 الف متر مكعب و أن الاتفاق هو جزء من من محادثات بشأن توريد الغاز الجزائري لمحطات الكهرباء المصرية ، مشير إلي أنه لم يتم التوصل لاتفاق علي السعر بعد لكن الاتفاق اكتمل تقريبا .
نجدر الإشارة إلي أن عوامل الانخفاض المطرد في إنتاج الغاز إلي جانب توخي الشركات الأجنبية الحذر من أي زيادة في الاستثمار فضلا عن الأسعار المدعومة ونمو الاستهلاك ، أدت جميعها إلي أسوأ أزمة في الطاقة تشهدها مصر منذ عقود .