معرض العراقي سعدي الكعبي في القاهرة.. «خطاب الصمت».. آلهة وحيوات ومخلوقات يائسة
القاهرة «القدس العربي» محمد عبد الرحيم: تحت عنوان «خطاب الصمت» يأتي معرض الفنان العراقي سعدي الكعبي، ليضم مجموعة جديدة من أعماله التي أنجزها ما بين عام 2009 وحتى 2016، والتي تم عرضها في عدة عواصم عربية وأوروبية، كان آخرها معرضه المقام حالياً في غاليري (إبداع) في القاهرة.
وللفنان مسيرة كبيرة في الفن التشكيلي العراقي والعربي، تقترب من نصف قرن، وحازت أعماله العديد من الجوائز الدولية والعربية، ولم يزل الكعبي يحاول تأصيل وتجديد مسارات تجربته التشكيلية، على مستوى اللون والحرف وعلاقات تكوين اللوحة، إضافة إلى الانشغال بالبحث الثقافي الممتد بين حضارته القديمة والأساليب والتقنيات الحداثية، لينتج في الأخير هذا المزج اللافت ما بين روح الرصانة وأفق التحديث.
الأسطوري والحداثي
شخوص تحددها فقط خطوط تتباين حدتها، كاشفة عن أجساد أنثوية وذكورية في حالة خوف.
فقط خطوط هذه الأجساد وحركتها هي الكاشفة لهذه الحالة، دون أن تحمل وجوهها أي ملامح، صماء على الدوام، في ما عدا وجوه الآلهة، التي أصبحت هي الوحيدة التي تترفق بحال المخلوقات. الآلهة القديمة في بلاد الرافدين تحضر بقوة، وتحاول في رحمة أن تهدئ من روع هذه المخلوقات التعيسة.
وبخلاف اللوحة التي تمثل تجمّع الآلهة القديمة، حيث حالة الهدوء والصخب الاحتفالي، تأتي معظم اللوحات لتصبح شخوص الزمن الحالي في توتر دائم، أجساد تحاول الاحتماء ببعضها، وأخرى تميل وتكاد أن تسقط، ويد تمسك برأس صاحبها، وقد تجمدت صرخته إلى الأبد.
عالم الكابوس الممتد
أجواء أشبه بالكوابيس التي لا تنتهي، ودائماً تطل علينا هذه المخلوقات من شرفات، أو ما يشبه من تحديد إطارات، كأشكال هندسية غاية في الإحكام، ومن خلالها تصبح الشخوص هي التي تطالع المتلقي، وتستعرضه كلما توقف أمامها وازداد تأمله لها. هنا يبدو شكل من أشكال التورط مع ما يحدث من مأساة تتجسد في مفردات اللوحة من خط ولون وتكوين، كما أن بعض الشخوص تأخذ في اللوحة دور المُتلقي، ليصبح بدوره أحد مفردات اللوحة.
الاغتراب
إضافة إلى تجاور ما لم يكن، ذلك في صيغة جديدة، لا تدعو إلى التواصل أكثر منها إلى الاغتراب، بأن يحتل الخط العربي مساحات أكثر في اللوحة، سواء مفردات يمكن قراءتها، أو حروف عربية تخرج عن نطاق دلالتها الصوتية واستخدامها المقدس الشائع، فهي في الغالب مُبهمة، ولا يكون اللجوء إليها، سوى خلفية للوحة، تحاول المخلوقات الفرار منها، والوقوف في قداسة ورهبة أمام الآلهة القديمة.
التجريد والإيجاز
يسيطر الأسلوب التجريدي على اللوحات، وقد يصل بأن يصبح الجسد بخطوطه دون تفاصيله في لون اللوحة نفسها، وكأنه يشكل معها لفافة أثرية لمخطوط قديم ينتمي لهذه الحضارة البعيدة، كحال الرموز والشيفرات للغة منسية لم يعد أحد قادرا على قراءتها لاحظ هنا أن الحروف العربية تشترك في هذا التجهيل، وهي مفارقة محسوبة ودالة وتبدو الخطوط الهندسية استكمالاً لحالة التجريد، ما بين خطوط لأعمدة أو أفاريز الشرفات، كلها إطارات داخل اللوحة، وتوحي بتصاوير قديمة من زمن ولى وانتهى. لكن الفنان يحاول بث الروح من جديد محاولة فنية بأن يكون حوار الصمت هذا بين ما هو كائن اليوم وما كان في عهد الآلهة وحضارة بلاد الرافدين العظيمة. كذلك محاولات التباين في وضعية الأجساد، ما بين آلهة تتميز بثقة شديدة، رغم أنها لا تواجه المتلقي بكامل جسدها اللوحات المشتركة ما بين الآلهة والشخوص وبين الشخوص التي تتعاظم أحجامها وتواجه المتلقي تماماً، لكنها في حالة من الذعر والخوف الدائمين.
الأسلوب التقني
وما بين لون الصحراء المسيطر على اللوحات، وبعض من أزرق وأخضر عتيق، يدل على زمن قديم، تأتي التكوينات، خاصة الأجساد في شكل الجداريات القديمة، التي تصبح رسوماتها وكأنها بارزة عن سطح اللوحة، كإيحاء قوي بالبعد الثالث في التجسيد، دون الاقتصار على الشكل التقليدي للتصوير. وهو ما يؤكد كذلك على حالة الحركة واستمرارها، رغم ما توحي به من حالة سكون مراوغ للوهلة الأولى. الأمر أشبه باكتشاف مقبرة بكل ما تحوية من حياة كاملة من بشر وآلهة وأحلام وعقائد، وتناغم أصبح مفقوداً الآن.
سعدي الكعبي.. من مواليد العراق عام 1937. أقام العديد من المعارض الشخصية والجماعية في عدة عواصم عربية وأوروبية، ونال الكثير من الجوائز الدولية، أهمها.. جائزة تقديرية من مهرجان كان سورمير في فرنسا 1980، الجائزة الأولى ترينالي الهند 1982، الميدالية الذهبية في بينالي دكا 1986، جائزة بينالي أنقرة الآسيوي الأوروبي الثالث 1990. كما شغل عدة وظائف قيادية منها.. مدير الإنتاج المسرحي في مؤسسة السينما والمسرح العراقية من عام 1981 1985، مؤسس ورئيس نادي التشكيليين العراقيين من عام 1985 1987، ورئيس لجمعية الفنون التشكيلية العراقية من عام 1990 1996. ويقيم حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية.
معرض العراقي سعدي الكعبي في القاهرة: «خطاب الصمت»: آلهة وحيوات ومخلوقات يائسة