مقاطع من سيرة منسية
1هناك في السوق رأيت أول فدائي في حياتي
في السوق العتيق
قرب الجامع الكبير
حيث يلتف الطريق ويلتوي ليفضي الى الباب الصغير
باعة جوالون
يفترشون طرقاً لا أرصفة لها
يبيعون اللاشيء
ويشترون خبز كفافهم
هنا كانت الكنيسة البيزنطية
وقبلها معبد ما
شمش ربما
رغم كل هذه الظلال
والابنية
المتطاولة
الجرافة التي مشت ليلا
فوق الارضية الفسيفساء
لا تزال تطقطق..
العامل أزاح آخر التراب عنها
أخذ إجازة طويلة الامد
ومكافأة جزية يحملها الى قريته البعيدة
توضأ قبل رحيله صلاة العصر
صلّاها في الجامع الكبير الملاصق.
سائق الجرافة استيقظ مزعورا
على رنين جرس البيت
لم يكن يعلم شيئاً
كان يعاشر زوجته
حين اقتادوه
الى سجن
أخرجه منه
محام شركة المقاولات الوطنية المساهمة
الشعلان أيضاً
حيث كنا نلعب الكرة
ونسرق بيض الوز
من حديقة السبكي…
أذكر شباباً بشعر طويل
دراجات نارية وستر جلدية
موسيقا صاخبة قرب ساحة النجمة
وحب كثير في الشوارع
صوت يمامة يبقبق
عند الفجر
ممتزجاً برائحة مركبة
من فرن الفطاير المجاور
وصوت ماء
عند الصباح
في حي هادئ
كان اسمه
الشعلان…
تلك الصباحات التي
تفاجئك بعد سهر
لا نعاس فيه..
ضوء نقي
يسدل على العينين
غلالة من الزوغان..
لا شيء ينقذك
من هذه الوحشة
المتفردة إلا
رؤيتهم هناك
يغطون الخبز البلدي الساخن
في أوعية الحليب المقشد
ينثرون عليها سكراً ابيض..
لتغوص في ذاكرة الطعم
ويصير التذوق في خضم
هذا العمى الدخاني
مخرج نجاة..
تلك الأيام….
كم عرشنا على بعضنا البعض!!!
كم اعشوشبنا
واعترانا ندى
ذات صباح ربيعي مطلق،
نحن النسبيون
….
كاتب وناقد سوري
رفيق عنيني