مكر المغفلين

مكر المغفلين 

مكر المغفلين
مكر المغفلين

ليس الفرق كثيرًا بين الغفلة والمكر، بل إن هناك ما يبعث على الظن بأن المغفل بليد الذهن كثيرًا ما يلجأ إلى المكر؛ ذلك لأنه يجد أن الطريق الواضح والعمل الصريح يكشفان عن بلادته وغفلته، فهو لذلك يلجأ إلى الوسائل الملتوية والعمل الخفي، إلى المكر.

والغش والسرقة والتزوير والإغواء والتملق، بل جميع الجرائم تقريبًا تعود إلى المكر من حيث إنها تجري في الظلام، وواضح أن المجرم الذي يلجأ إنما يفعل ذلك لأنه يعجز عن الكسب بالطرق الصريحة المكشوفة، فهو يمكر للعجز وليس للقوة؛ أي: للبلادة وليس للذكاء.

وأسوأ ما في هؤلاء المغفلين الماكرين أنهم يمكرون بأنفسهم، ويحطمون مستقبلهم، ويزيفون حياتهم بأكثر مما يفعلون بضحاياهم؛ لأن هذا المكر الذي يتخذونه يعود أسلوبًا لسلوكهم يلتزمونه طوال حياتهم. وفي النهاية، ومع نجاحهم في المكر مرة بعد أخرى؛ أي بعد نحو أربعين أو خمسين سنة من العمر، يجدون أنهم قد خسروا، وأن ذلك الساذج الذي سرقوه أو نصبوا عليه تفوق عليهم بالدءوب في العمل، والتزام الطرق الصريحة المكشوفة، والقناعة بالكسب القليل الذي يتجمع ويتراكم في مدى السنين فيغدو ثروة عظيمة.

بل لقد رأيت من نتائج هذا المكر الذي يمارسه هؤلاء المغفلون أنه يحملهم على أن يعاملوا به أقرب المقربين إليهم من زوجة وأبناء؛ لأنه لصق بهم وجرى في عروقهم، وعندئذ ينكشفون ويجدون الاحتقار، وربما المقاطعة من هؤلاء الذين كانوا ينتظرون منهم الحب أو الاحترام.

والرجل الذكي لا يحتاج إلى المكر؛ لأنه يجد في الاستقامة والدءوب والعمل الصريح المكشوف ما يصل به إلى غايته. وكثيرًا، لهذا السبب ما يبدو لنا ساذجًا وليست به سذاجة، وإنما به صراحة تنأى وتشمئز من الالتواء والاعوجاج والاختفاء.

ولو أن الماكر المغفل كان على شيء من البصيرة؛ أي: نور العقل والقلب، لعرف أنه بمكره يكسب المعركة، ولكنه يخسر الحرب، والحياة حرب يحتاج الانتصار فيها إلى خمسين أو ستين سنة، والدءوب في العمل الصريح طوال هذه السنين هو الذي يكسب هذه الحرب، أما كسب المعركة العابرة فسرعان ما تتلاشى ثمرته.

 

 

m2pack.biz