منحة الحكومة المصرية للسينما 50 مليون جنيه «على ما تفرج»!
المطالبة بدعم الدولة للسينما أمنية ظلت تداعب أحلام السينمائيين والمهتمين بالصناعة لسنوات طويلة، فبعد توقف نشاط المؤسسة العامة للسينما التي كان منوطا بها إنتاج المتميز من الأفلام، بات الأمل في عودة الدعم وحماية الصناعة والذوق العام ضرباً من خيال، لكن بعد طول انتظار صح المثل القائل ما ضاع حق وراءه مطالب، وبدأت بشائر الفرج تلوح في الأفق، فقد صدر قرار من مجلس الوزراء برفع الدعم الحكومي لصناعة السينما من 30 مليون جنيه إلى 50 مليونا، وهي إشارة إيجابية تؤكد حُسن نية الدولة تجاه الإبداع بشكل عام والسينما بشكل خاص، ورغم أن المبلغ، قياساً على التكلفة الإنتاجية المعهودة في الأفلام الكبرى، متواضع إلا أنه يعد خطوة على الطريق الصحيح لإنقاذ الصناعة الثقيلة التي كانت يوماً ما صناعة رائدة تمثل مشروعاً قومياً مهماً لمصر من حيث الدخل الاقتصادي، فهي تحرك الماء الراكد في حركة البيع والشراء، وتنشط عمليات الاستثمار في نواح كثيرة، تشغيل دور العرض والعمالة البشرية والتوزيع الخارجي والتبادل الثقافي المصري العربي إلى آخره.
المسألة إذن ليست عملية ترفيهية ولا ترفا ولا رغبة من الحكومة في تبديد ميزانيتها على الرقص والزمر والطبل، كما يتصور البعيدون عن المجال الإبداعي، والناظرون له نظره دونية وغير المتذوقين للفن. أما لماذا الدعم المقرر غير كافٍ فعلياً فهذا يرجع لأسباب كثيرة من بينها، أن التكلفة الإنتاجية صارت باهظة، لاسيما ما يتعلق منها بأجور النجوم وسعر الفيلم الخام وتكاليف التحميض والطباعة والتصوير الخارجي والمعدات، وغير ذلك من بنود العمل.
كل هذه الأشياء تحتاج لضمانات حقيقية لتخفيف أعبائها على المنتج، ومن الضروري التأكد من وضع الدعم في موضعه الصحيح، ولهذا كان من الأفضل أن يكون الدعم عينيا في صورة خدمات، بمعنى أن تساهم الدولة ممثلة في وزارة الثقافة في تنفيذ خطوات الإنتاج، ولا مانع من قيامها بالتعاقد مع النجوم بشكل شخصي من خلال المنتج المنفذ، على أن تتولى هي ترشيد الميزانية بالكامل وفق معطيات العمل والخطة الإنتاجية، وهذه التجربة تم تطبيقها في عدد من الأفلام التي أنتجها التلفزيون على مدار سنوات.
هناك جزء من قرار الدعم شمل بعض ما نتح،دث عنه وهو الجزء المتعلق بتخفيض رسوم التصوير في المناطق الأثرية والسياحية إلى 50 ، وفي تقديري أنه القرار الأصوب والأجدى من الناحية العملية، وإن كان الأمر يستحق التنازل تماماً عن قيمة الرسوم كلها طالما أن الدولة تراعي في هذا الشأن البعد السياحي، خاصة أن ما توفره لعملية الإنتاج سوف يعود عليها لاحقاً في شكل مكاسب سياحة ، فضلاً عن المردود الثقافي المهم الذي سوف يتحقق والمطلوب بشكل ملح في هذه الفترة.
هذه هي أوجه الفائدة الإيجابية في مشروع دعم السينما، أو زيادة الدعم حسب التسمية الرسمية للقرار، أما المخاوف فتتمثل في تبديد المبلغ في بنود شكلية على الورق بطرق بيروقراطية سبق التعامل بها في جهاز السينما الذي خصص مليون جنيه لكل فيلم وأنتج فيلماً أو فيلمين وتوقف لأسباب غير معلومة، وقُضي على طموح السينمائيين الشباب بوفاة رئيس الجهاز أن ذاك ممدوح الليثي وتعطيل المشروع ونسيانه إلى الأبد، أضف إلى ذلك المعايير غير الواضحة في ما يخص التجارب المستحقة للدعم وغير المستحقة ومواصفات كل منها من حيث النوعية والمستوى، وهل ستكون هناك عناية بالفيلم التاريخي أو الحربي أو الديني، باعتباره نوعا خاصا بات غير متوافر وغير وارد في حسبان منتجي القطاع الخاص؟ أما أن التكلفة الباهظة له ستظل عائقا حتى في ظل الدعم الحكومي؟ ثم ماذا عن إبداع الشباب والتجارب ذات الرؤية السياسية المعارضة، لو وجدت تجارب من هذا النوع تتسم بالمعارضة في التناول.. هل ستحظى بالاهتمام نفسه ويكون لها نصيب من الدعم؟
كل هذه الأسئلة لابد من الإجابة عليها قبل البدء في التطبيق حتى لا نفاجأ بالنزاعات والخلافات فيفشل المشروع كسابقه وتتبدد الميزانية بالفعل في فيلم أو فيلمين، فلا نجد صدى للحُلم الذي انتظرناه طويلاً.
علينا ألا نفرح كثيراً قبل ترتيب الأوراق ووضع النقاط على الحروف، فاختمار التجربة ودراستها بشكل دقيق أهم من التجربة ذاتها، ففي التأني السلامة وفي العجلة الندامة.
كاتب مصري
كمال القاضي