1 من أصل 2
التأمل الخارجي للعوامل العالمية، والتأمل الداخلي للعوامل السيكلوجية، يتيحان لنا فهم الرقي الشخصي وتقدير درجاته، بحيث نستطيع أن نميز بين الرجل الفج والرجل الناضج، وبين السعيد والشقي، وبين المتطور والجامد.
وحقائق العالم الخارجي التي يجب أن نفطن لها، والتي بدونها لن يكون هناك نضج، كثيرة؛ إذ هي في الواقع دراسة العمر، ولكنها تنبني على مبادئ، كل مبدأ منها يشمل بعض هذه الحقائق وينظمها.
فحقائق العالم الخارجي تتجلى لنا بالقليل من التأمل، وأبرز ما في هذه الحقائق أنه ليس في هذا العالم شيء ثابت؛ إذ إن كل شيء في تغير أو تطور: الجماد والحيوان والنبات، فأنت اليوم غير ما كنت في الأمس، وغير ما سوف تكون في الغد وكذلك الحيوان والنبات والماء والطين والمعادن … وإذا كان هناك اختلاف فهو في الدرجة فقط، فنحن نتغير بأسرع وأكثر مما يتغير الذهب أو النحاس، ولكننا جميعًا في تغير لا ينقطع.
والحقيقة الثانية هي أن جميع الكائنات من جماد ونبات وحيوان، إنما هي حلقات منفصلة في سلسلة واحدة، ونحن جميعًا مادة متطورة.
والحقيقة الثالثة أن التطور يجب أن يكون علامة الرقي في المؤسسات البشرية، ولذلك كل مؤسسة تحول دون التطور هي مؤسسة سيئة، وهذا التطور يعني في النهاية تنظيم المجتمع بحيث يرفع البشر من الحيوانية إلى الإنسانية.
وليست كلمات الرفع والرقي ونحوهما من الكلمات التي تطفو في الضباب؛ لأننا نعتمد في فهمها على المقياس العالي للرقي، وهو الإنسان العالي، والإنسان العالي هو الإنسان الناضج.