موسم جنون انتقالات اللاعبين: من يستحق الضجة في كأس العالم؟
الفرنسي «أنطوان غريزمان» يؤكد أن قرار رحيله من أتلتيكو مدريد سيتحدد قبل بداية كأس العالم، وعلى النقيض نرى «ديفيد دي خيا»، الحارس الأول للمنتخب الإسباني، يؤجل كل شيء إلى ما بعد انتهاء البطولة. تقارير من تركيا تربط اللاعب المصري محمود تريزيغيه بالعملاق التركي جالاتا سراي قبل كأس العالم، وزميله رمضان صبحي يجتاز الكشف الطبي لهدرسفيلد تاون الإنجليزي قبل البطولة أيضًا.
بمجرد انتهاء آخر مباراة رسمية لفرق كرة القدم في الموسم، لا تتوقف أخبار انتقالات اللاعبين، وتستمر حتى أسابيع من بداية الموسم الجديد. لكن حين يصادف كأس العالم سوقَ الانتقالات، يقلبها رأسًا على عقب.
تخضع انتقالات ما بعد كأس العالم لعوامل عدة، لكن بعض تلك العوامل ربما يطغى على غيره ويسوق العملية بالكامل، مثل التألق المفاجئ للاعب خلال مباريات البطولة، رغم أنه، بفرض أنه وصل بفريقه إلى النهائي، لم يخض سوى سبع مباريات فقط. رقمٌ ليس كافيًا للحكم على لاعب وانتدابه. وبفرض أن هذا اللاعب صاحب موهبة ظهرت فعلًا خلال المباريات السبعة، فهل من المنطقي أن تبدأ الأندية في المزايدة عليه ليصبح سعره خياليًّا بعد سبع مباريات فقط؟
بعيدًا عن المنطق الذي يهجر سوق الانتقالات، تنجح المقامرة مرة وتؤدي إلى نتائج كارثية مرات، فدعونا نستعرض الأمثلة.
مقامرة الصفقات في كازينو كأس العالم توني كروس – الصورة: DSanchez17 القوام الحالي لفريق ريال مدريد الإسباني ربما كان سيصبح مختلفًا للغاية لولا كأس العالم 2014.
المجموعة الرابعة لُقِّبَت بمجموعة الموت: إيطاليا وإنجلترا ثم أوروغواي وكوستاريكا. هكذا رتب الجميع فرق المجموعة من حيث توقعات الصعود، إلا أن الفريق الكوستاريكي تصدَّر المجموعة الصعبة، ولم تستقبل شباكه سوى هدف وحيد بفضل جهود حارس المرمى «كيلور نافاس»، الذي وصل بفريقه إلى دور الثمانية في مفاجأة كبرى.
أما هداف البطولة فكان الكولومبي «خيميس رودريغيز»، الذي أحرز ستة أهداف في خمس مباريات، وخرج وسط تصفيق الجمهور البرازيلي المضيف. وتضمن فريق البطولة المثالي الألماني «توني كروس»، صاحب الأداء المثالي للمنتخب المتوج باللقب.
ريال مدريد حاز خدمات الثلاثي بعد نهاية كأس العالم: 10 ملايين مقابل نافاس، و35 مقابل كروس، و65 مقابل رودريغيز، وهو ما غيَّر شكل الفريق. لكن أقل اللاعبين حظوظًا في المشاركات والفعالية كان الكولومبي صاحب الثمن الأغلى، بينما كانت المقامرة الأنجح مع الحارس نافاس.
خسرت البرازيل بطريقة مهينة أمام ألمانيا بسبعة أهداف، ما أثَّر بالطبع في لاعبي الأصفر والأزرق. المدافع «دانتي» الذي كان عضوًا بارزًا في فريق بايرن ميونيخ الألماني رحل بعد موسم واحد عقب نهاية البطولة. ولأنه سوق انتقالات مجنون، فالمدافع الآخر «ديفيد لويز» غادر تشيلسي إلى باريس سان جيرمان الفرنسي، لكن كأغلى مدافعي العالم. «راميريز» لاعب تشيلسي قلَّت مشاركاته، ورحل كذلك بعد موسمين إلى الصين.
مفاجأة 2002 كان فريق السنغال، الذي لفت نجمه «الحاج ضيوف» الأنظار، فتعاقد معه ليفربول لكنه فشل بشكل واضح.
أما كأس العالم 2010 فكانت السيطرة إسبانية تمامًا، وضم الفريق المثالي للبطولة ستة لاعبين من إسبانيا: خمسة من فريقي القمة الريال وبرشلونة، إضافة إلى «ديفيد فيا» من فالنسيا، وكانت النتيجة انضمامه إلى برشلونة بعد نهاية البطولة.
في 2006 فازت إيطاليا، فذهب «فابيو كانافارو» إلى ريال مدريد و«جانلوكا زامبروتا» إلى برشلونة، ولم يقدم الاثنان ما يُنتظر منهما، فعادا إلى الدوري الإيطالي مرة أخرى.
أما كأس العالم 2002 فأحيا الظاهرة رونالدو صاحب لقب الهداف، ليقدم فاصلًا جديدًا في حياته مع ريال مدريد بعد فترة مليئة بالإصابات مع إنتر ميلان.
مفاجأة البطولة كان السنغال الذي قدم أداء جيدًا للغاية ولفت الأنظار نحو نجمه الأبرز «الحاج ضيوف»، لينتزع ليفربول الإنجليزي خدماته، لكنه يفشل بشكل واضح في «الآنفيلد»، وربما هذا ما جعل ليفربول لا يغامر بشراء «لويس سواريز» بعد كأس العالم 2010، بل تركه عامًا آخر مع أياكس الهولندي ليتأكد من مستواه، ما أثبت نجاحه بالنظر إلى إحصائيات اللاعبَين مع الفريق.
حارس مرمى آخر كان متألقًا للغاية في 2002 هو التركي «روستو»، الذي كان غير مرتبط بفريق قبل البطولة، فانتقل إلى برشلونة بعدها وشارك في أربع مباريات فقط، ثم عاد إلى الدوري التركي.
كأس العالم 1998 شهد واقعة غريبة في سوق الانتقالات مع الظهير الأيسر للفريق الكرواتي «روبرت يارني»، الذي وقع قبل كأس العالم مباشرة عقدًا جديدًا مع كوفنتري سيتي، ثم تألق بشدة في البطولة رفقة منتخب كرواتيا، ليقرر ريال مدريد انتدابه دون أن يشارك حتى في مباراة واحدة مع فريقه الإنجليزي.
نجوم كأس العالم 1998 المميزون كانوا نجوم سوق الانتقالات أيضًا، فالتشيلي «مارسيلو سالاس» ترك ريفير بلات الأرجنتيني وسافر إلي أوروبا عبر بوابة لاتسيو، والألماني «أوليفر بيرهوف» انتقل إلى ميلان بعد عدة انتقالات متوسطة، ليحل محل «باتريك كلويفرت» الذي رحل إلى برشلونة.
كثير من تلك الانتقالات لم يُصنَّف كصفقات ناجحة لأنه اعتمد بصفة أساسية على مستوى اللاعب خلال بطولة واحدة، وهو بالطبع ما لا يتوافق مع منطق كرة القدم. وفي النسخة الروسية من البطولة سيبرز بالطبع أكثر من اسم، وكالعادة ستتصارع الأندية لانتداب خدماتهم، وترتفع أسعارهم كما يحدث دائمًا.
كأس العالم: من يستحق الضجة؟ محمد صلاح – الصورة: Дмитрий Голубович دعنا نشرح الأمر أكثر. بالطبع بطولة كأس العالم لا يمكن أن تكون مقياس أفضلية لاعب على آخر، بل يجب النظر إلى عدة عوامل، منها الاحتياج الفني للفريق الذي قرر أن يضم هذا اللاعب، ثم تقييم اللاعب نفسه رقميًّا عن طريق تحليل أداء الموسم الماضي بالكامل، بل والمواسم السابقة، فهناك أكثر من لاعب تألق لمدة موسم ثم خفت نجمه بعد ذلك، إضافة إلى قوة الدوري الذي ينافس فيه هذا اللاعب.
مسألة قوة الدوري نستطيع أن نلخصها كما يلي: اللاعب «س» يؤكدون أنه مهاجم جيد، لقد أحرز 10 أهداف مع فريقه الذي يشارك في الدوري الفرنسي. لكن هل التسجيل في الدوري الفرنسي مؤشر إلى قوة المهاجم؟ كرة القدم لا تعتمد بصورة كلية على الأرقام، إلا أن الأرقام لها دلالات لا يمكن تجاهلها.
هنا سنتحدث عن السنوات العشرة الأخيرة والدوريات الخمسة الكبرى.
لكي تصبح أهداف المهاجم مؤثره يجب أن يمتاز الدوري بالمنافسة، ففي الدوري الألماني مثلًا نجد أن آخر 10 ألقاب فاز بايرن ميونخ بسبعة منها، بينما استطاعت خمسة فرق في الدوري الإنجليزي تحقيق البطولة في نفس عدد السنوات، وهو ما يتكرر أيضًا في دوري أبطال أوروبا.
فخلال السنوات العشرة الأخيرة، لم يخلُ الدور قبل النهائي من مشاركة ألمانية إلا مرتين فقط، والفضل لبايرن ميونخ الذي شارك في سبعة مواسم، عكس الفرق الإنجليزية التي شاركت في ستة مناسبات فقط، لكن بخمسة فرق مختلفة: مانشستر يونايتد ومانشستر سيتي وتشيلسي وآرسنال وليفربول.
لاعب مثل صلاح يستحق الضجة المثارة حوله، ومهاجم كفيرمينو يبدو أكثر تأثيرًا من ليفاندوفسكي، الذي من المتوقع أن يتصدر سوق الانتقالات.
يسيطر برشلونة على الدوري الإسباني بنفس عدد بطولات البايرن: سبعة من آخر 10 مواسم. إلا أنه على المستوى الأوروبي، وخلال 10 كؤوس أخيرة، لم يُلعَب دور قبل النهائي دون مشاركة إسبانية عن طريق برشلونة والريال وأتلتيكو.
المفاجئ أن مدريد أحرز الكأس أربع مرات آخر خمس سنوات، بينما استطاع فريقان آخران من إسبانيا، أتلتيكو مدريد وإشبيلية، الفوز بست نسخ من آخر 10 كؤوس لبطولة «يوروبا ليغ»، الأقل درجةً من أبطال أوروبا، ما يعني أننا أمام دوري أقل تنافسية، لكنه مليء بالمواهب التي تسيطر على العالم.
أما الدوري الإيطالي فيشبه الألماني كثيرًا، إذ يسيطر يوفنتوس بنفس عدد ألقاب بايرن، سبعة خلال آخر 10 أعوام، وتبدو مشاركات «السيدة العجوز» جيدة في «التشامبيونز ليغ». بينما يقبع الدوري الفرنسي أخيرًا، بعد أن فقد المنافسة عقب سيطرة باريس سان جيرمان بفضل أموال الخليفي، وبمشاركتين فقط في الدور قبل النهائي في يوروبا ليغ لفريقي موناكو وليون.
بالتالي فالدوري الإنجليزي والإسباني وبطولة دوري أبطال أوروبا في المقدمة من حيث القوة، ثم بعد ذلك يأتي الدوري الألماني رفقة الإيطالي، ثم الفرنسي أخيرًا.
هكذا نجد أن لاعبًا مثل المصري محمد صلاح يستحق تمامًا الضجة المثارة حوله، وأن مهاجمًا مثل البرازيلي «روبرتو فيرمينو» يبدو أكثر تأثيرًا وفعالية من البولندي «روبرت ليفاندوفسكي»، الذي من المتوقع أن يتصدر سوق الانتقالات هذا العام، والظهير الأيمن الألماني «جوشوا كيميتش» هو الأفضل على الإطلاق في مركزه.
سوق الانتقالات مجنونة ويتحكم بها عوامل عدة غير فنية أحيانًا وجماهيرية أحيانًا كثيرة، لكن خلال مشاهدتك بطولة كأس العالك في روسيا لا تعلق كثيرًا من الآمال على من يتألقون فجأة، حتى إن انتدبهم فريقك المفضل.