نشأة شعر النقائض
يظهر تعريف شعر النقائض، ارتباط هذا الفن بالكلام نفسه وفنياته المستخدمة في العصر نفسه، وهذا يعني أن فن النقائض الشعرية لم يكن مقصورًا على ما بلغنا من نقائض العصر الأموي، فقد بدا لهذا الفن ملامح مختلفة في كل عصر، تبعًا لاحتياجاته الثقافية والاجتماعية والعوامل البيئية التي أدت إلى ظهوره في تلك العصور، فمنذ العصر الجاهلي، بدت النقائض تتشكل تبعًا لاحتياجات العصر للشعر، واتخاذه أداة إعلامية تعلي من شأن قوم على حساب آخرين، فالحياة التي كانت تقوم على نظام قبلي مفكك، والارتكاز في المفاضلة بين تلك القبائل على الأحساب والأنساب والأخلاق، دعت لتشكل شعر النقائض منذ طليعة العصر الجاهلي، وفي عصر صدر الإسلام لم تسقط النقائض الشعرية مع ما أسقطه الإسلام من عادات الجاهلية وطباعهم القبلية، غير أنها نَحَت منحى آخر ينسجم والطبائع الإسلامية فغدت مباريات ومناظرات يقودها شعراء الإسلام من أمثال كعب بن مالك وحسان بن ثابت ضد شعراء قريش، حيث أخذت النقائض في صدر الإسلام طابعًا دينيًا بدل طابعها القبلي الذي كانت عليه في الجاهلية، ولم يكن للعصر الأموي إلا أن يترك بصمته في هذا الفن الشعري، إذ أخذت الأحزاب السياسية المتلاحمة في العصر الأموي تؤجج نار هذا الفن، إلى جانب ما خلفه العصرين السابقين الجاهلي والإسلامي من عوامل اجتماعية ودينية، حتى ازدهرت النقائض وبلغت ذروتها على يد شعرائها الثلاثة: جرير والأخطل والفرزدق الذين أشير إليهم في تعريف شعر النقائض آنفًا.