“نفط” عمر المعلومات يخضع للخصخصة

 

نفط

“نفط” عمر المعلومات يخضع للخصخصة

 

تنتشر هذه الحال من 0يث المبدأ في كل مكان ، حيث يتعلق الأمر بالكميات الكبيرة والمعلومات أكثر من تعلقه بالإنسان، هناك إمكانات هائلة لميزد من الأتمتة، ورفع مستوى كفاءة الإنتاج والفعالية الاجتماعية، والتي لا تعتمد فقط على إبراز دور الضغط السائد منذ زمن طويل، لكي يبيعنا جميعا كميات أكبر، السؤال، كيف وما هي الغاية من المعلومات التي ننتجها ونقدمها باستمرار، وكيف سيتم توظيفها، سيكون هو السؤال المهم الذي سيحدد طريقة العمل وأسلوب الحياة في المستقبل.

حاليا تتم خصخصة “نفط” عصر المعلومات دون منفعة كبيرة للعامة، وربما باستثناء تأكيد خجول بأن هذا يمكن أن يقود إلى تحسين نوعية الخدمة في المستقبل، لقد تحول الحصول على مزيد من البيانات عن المستخدم والزبون إلى هدف مهم بحد ذاته، وما يدفع في هذا الاتجاه، هي الوعود بأنه يمكن الاستفادة من هذه البيانات في عملية العقلنة والترشيد ورفع مستوى الكفاءة، الأمر الذي يمكن أن يزيد بدوره الأرباح عندما يقيمها المرء بألغوريتمات (خوارزميات) صحيحة مناسبة، إلا أن الأتمتة لا تقف عند حدود الحياة المادية (الفيزيولوجية)، فهي تتابع مسيرتها إلى المجال التالي، الذي كان حتى الآن يعتبر إنسانيا بحتا.

من يعتقد أن فرصة عمله مضمونة في المستقبل لأنه يقدم خدمات وأعمالا فكرية لا يمكن أن يقدمها الكومبيوتر، فإنه ربما يكون على خطأ في هذا الاعتقاد “أتمتة الفكر”، الاستغناء عن العمل الذهني الإنساني وإحلال ألغورتيمات (خوارزميات) البرمجة مكانها، هذه الفكرة تتمتع بآفاق واسعة جدا، يمكنها أن تغير عالم العمل، وربما تؤثر في مجمل الحياة بشكل أكبر من الأثر والتغيير الممكن من خلال اعتماد الرجل الآلي (الروبوت) والأتمتة في عالم الإنتاج، وهو الأمر الذي يتم حاليا بافعل، المدهش في الأمر هو أن هذا التطور يتم بعيدا عن الضجيج الإعلامي والرأي العام، ولا شك أن هذا يعود بشكل كبير إلى أن الكثير من الأمور هنا – على عكس ما هي عليه الحال في اعتماد الروبوت – يصعب فهمها وتقديمها للعامة، كما أنه لا يوجد صور واضحة تشكل مادة مثيرة لوسائل الإعلام، فمن يحب أن يرى باستمرار ذات الصور من الأرشيف، التي تبين لوحات مفاتيح مضيئة وشاشات كومبيوتر مليئة بالصفر والواحد؟ أثار حوسية (اعتماد الحاسوب) الجوانب المعرفية هي أكثر مكرا وأقل وضوحا بكثير، من نصب رجل آلي في المصنع، في ذات المكان الذي كان يقف فيه أحد العمال قبل عام.

غالبا ما تتم الأتمتة الفيزيولوجية، المرفقة بتغييرات جوهرية في الطريقة والأسلوب – بشكل مختلف عن طريقة سير الأعمال المعتادة،  وتعتبر طريقة إنجازنا معاملاتنا المصرفية من الأمثلة المعبرة عن هذا المبدأ بشكل جيد، الأتمتة التي قادت إلى الاستغناء عن العديد من العاملين في المصارف، تمت جزئيا من خلال كون الروبوت – وهو ليس سوى مجرد آلة سحب النقود – تولي القيام بمهمة هؤلاء العاملين، أما القرارات المتعلقة بمنح القروض فهي لم تعد قرارات يتخذها الإنسان بشكل مباشر، وإنما تتم عادة بناء على اقتراح قائم على ألغوريتمات (خوارزميات) تراعي مئات العوامل والأفكار والمعلومات المتعلقة بالزبون ومسيرته المالية، الشعور الإنساني الذاتي والتجربة والخبرة التي يتمتع بها موظف المصرف تم استبدالها من خلال برامج كومبيوتر حديثة، ومن ناحية أخرى فقد اعتدنا الآن على إنجاز معاملاتنا المصرفية أون لاين عبر الإنترنت.

بذات الطريقة تسير الأمور في الكثير من الحالات عندما تغزو عملية الأتمتة الجوانب الفكرية، خبرات ومعارف وأحاسيس، يمكن بفضل البرمجة نسخها وتحويلها إلى إحصائيات وأرقام وحسابات مثالية واحتمالات، تحل مكان قرارات الإنسان التي تكون في كثير من الأحيان غير مبررة أو ساذجة أو متأثرة بعوامل مختلفة، ومن المفارقة أن الجمع بين اعتماد ألغوريتمات (خوارزميات) في تخطيط مسيرة الأعمال والتبني الكامل للتقنية الرقمية (ديجيتال) في كافة المراحل بالإضافة إلى البرمجة والمقدرة الحسابية يمكن أن يقود على المدى البعيد إلى تهديد مصالح وأعمال أكبر المتحمسين الآن لهذا المشروع في الأتمة وفي رفع الكفاءة، وهي شركات الاستشارات، عندما تغدو الشركات قادرة بنفسها على القيام بأعمال التحليل والدراسات والتقييم التي تقوم بها حاليا شركات أخرى متخصصة في الاستشارات مقابل أسعار باهظة، فإن النظر إلى مهمة هذه الشركات الاستشارية سوف يتم اختزاله في السبب الرئيسي الكامن وراء تكليف هذه الشركات اليوم : استخدام مشورتها كمبرر من أجل تسريح الموظفين.

كثير من الأعمال المرتبطة بما يسمى “الاقتصاد الرقمي” الذي يحظى اليوم بكل الحفاوة والاهتمام، من الاستشارات الإعلامية – الاجتماعية، إلى وكالات الإنترنت وتصميم صفحات الويب هي في الواقع مظاهر شكلية، أكثر منها جوهرا وفاعلية، ظروف العمل غير المستقرة والاستغلال الذاتي الكبير والتنقل من مشروع لآخر، تتخللها فترات من الاعتماد على المساعدة والخدمات الاجتماعية، هي العلامات المميزة اليوم لهذا القطاع، وكما هي الحال دوما، عندما تتبلور مفاهيم وبديهيات جديدة، سرعان ما تدخل يوميات الحياة الرقمية، فإن المستشارين وشركات الخدمات الآخرى سرعان ما تقفز محاولة اغتنام الفرصة واستغلال قلة المعرفة وعدم الفهم لدى الشركات والأحزاب ووسائل الإعلام.

 

m2pack.biz