وسائل العمل التي يستخدمها المحركون أو القادة: التأكيد، التكرار، العدوى 3من اصل3
والعدوى لا تتطلب الحضور المتزامن للأفراد في نقطة واحدة. بل يمكن أن تنتشر على البعد بتأثير من بعض الأحداث التي توجه النفوس في نفس الاتجاه وتخلع على الجماهير ميزاتها الخاصة، وبخاصة إذا كانت مهيأة لذلك عن طريق العوامل البعيدة التي درستها سابقًا. نضرب على ذلك مثلًا الانفجار الثوري الذي حصل في فرنسا عام (1848). فقد انطلق من باريس وامتد فجأة لكي يشمل جزءًا كبيرًا من أوروبا ويزعزع العديد من الأنظمة الملكية
والتقليد الذي تعزى إليه تأثيرات كثيرة في الظواهر الاجتماعية ليس في الواقع إلا مجرد أثر من آثار العدوى. ولما كنت قد شرحت دوره في مكان آخر فإني سأكتفي هنا بنقل ما كنت قد قلته منذ زمن طويل والذي كان قد وسع وزيد من قبل كتاب آخرين فيما بعد. قلت ما يلي:
“إن الإنسان يشبه الحيوانات فيما يخص ظاهرة التقليد. فالتقليد يشكل حاجة بالنسبة له بشرط أن يكون هذا التقليد سهلًا بالطبع. ومن هذه الحاجة بالذات يتولد تأثير الموضة (أو الأزياء الدارجة). وسواء أكان الأمر يتعلق بالآراء أم بالأفكار أم بالتظاهرات الأدبية أم بالأزياء بكل بساطة فكم هو عدد الذين يستطيعون التخلص من تأثيره؟ فنحن نستطيع قيادة الجماهير بواسطة النماذج والموديلات وليس بواسطة المحاجات العقلانية. وفي كل فترة نلاحظ أن عددًا قليلًا من الشخصيات هي التي تطبعها بطابعها وتؤثر عليها، ثم تقلدهم الجماهير اللاواعية. ولكن لا ينبغي على هذه الشخصيات أن تنحرف كثيرًا عن الأفكار الشائعة أو السائدة في عصرها. ذلك أن تقليدها عندئذ يصبح صعبًا جدًا، وتأثيرها معدومًا. ولهذا السبب بالذات فإن الأشخاص المتفوقين جدًا في عصرهم ليس لهم أي تأثير عليه. ذلك أن المسافة بينهم وبين معاصريهم ضخمة أكثر مما يحب. ولهذا السبب بالذات فإن الأوروبيين لا يستطيعون ممارسة أي تأثير على شعوب الشرق على الرغم من كل الميزات والامتيازات التي تتمتع بها حضارتهم.