وظائف اللغة عند جاكبسون
نظرية التواصل عند جاكبسون
كان العالم اللغوي الروسي رومان جاكبسون بَدءًا من رواد الشكلانية الروسية، لكنه شارك فيما بعد بتأسيس حلقة براغ اللغوية التي نشطت حتى عام 1939م، وقد كان لجاكبسون أثر كبير في التنظير لكثير من الأفكار المتعلقة بالبنيوية اللغوية في النقد، وإضافة إلى ذلك فقد أنشأ نظرية التواصل الشهيرة واتي تقوم على أن كل حدث لغوي مكون من عناصر عدة، وقام جاكبسون بتوضيح هذه العناصر وتفصيلها ليصل من خلالها إلأى ما يُعرف اليوم في كتب النقد بوظائف اللغة عند جاكبسون.[١]
وظائف اللغة عند جاكبسون
نظرية التواصل عند جاكبسون تحدّد عناصر ستة للحدث اللغوي، وتحدد دور كل عنصر ووظيفته في إيصال الرسالة، وهذه العناصر لم يكن تحديدها فقط من أجل معرفتها؛ إذ إنّها بسيطة وواضحة، ولكن كان وراءها هدف أكبر وهو الوصول من خلالها إلى وظائف اللغة عند جاكبسون، فكل عنصر من العناصر يرتبط بوظيفة من وظائف اللغة، وهذا ما اصطُلِح عليه بوظائف اللغة عند جاكبسون، وهي:[٢]
الوظيفة التعبيريَّة أو الانفعالية
ترتبط هذه الوظيفة بمرسِل الرسالة اللغوية، وعندما تُركِّز الرسالة على المرسِل فإن وظيفة اللغة في الرسالة تكون وظيفة تعبيريَّة، وتكثر هذه الوظيفة في الرسالة ذات الشحنات الانفعالية والعاطفية للمتكلم؛ وذلك لأنه يُعبِّر عن انطباعه وانفعاله وشعوره نحو شيء ما، ويكثر في هذه الوظيفة استعمال ضمائر المتكلم التي تساعد المرسِل في التعبير عن ذاته، وتحقيق الوظيفة اللغوية المطلوبة.
الوظيفة الشعريَّة
الرسالة نفسها هي المسؤولة عن هذه الوظيفة من وظائف اللغة عند جاكبسون، لأن الرسالة هي التي تحمل المعنى، وهذا يعني أنّ كلّ رسالة لغوية يجب أن تشتمل على هذه الوظيفة اللغوية وإن كان ذلك بدرجات مختلفة بين الرسالة والأخرى.
الوظيفة الانتباهيَّة
تمثل قناة الاتصال عنصرًا مهمًّا من عناصر نظرية التواصل، وقناة الاتصال هي المسؤولة عن الوظيفة الانتباهيّة؛ وذلك لأنّ الهدف من قناة الاتصال الانتباه للاتصال والحفاظ عليه إما بإبقائه أو إيقافه حسب ما تقتضيه الحاجة والهدف من الرسالة اللغوية.
الوظيفة الإفهاميَّة
الوظيفة الإفهامية لها علاقة بالشخص الذي يتلقى الرسالة اللغوية، أي المُرسَل إليه، أو المتلقي كما يُسمَّى في بعض المراجع، ولذلك تكثر في هذه الوظيفة ضمائر المخاطب، وأكثر ما نجد هذه الوظيفة في الكتابات الثورية، والحديث عن الانتفاضة إذ تكثر فيها ضمائر المخاطب التي تساعد على استثارة مشاعر المتلقي والتأثير فيه.
الوظيفة المرجعية
هذه الوظيفة ترتبط بالسياق الذي قيلت فيه الرسالة اللغوية، وبالمرجعية التي أدت إلى إنتاج الرسالة اللغوية؛ فهي تقوم بتحديد الصلات القائمة بين الرسالة وبين السياق أي المرجع الذي ترجع إليه، ويجب أن تكون هذه الوظيفة موضوعية، ويغلب فيها استعمال ضمائر الغائب.
وظيفة ما وراء اللغة
ترتبط هذه الوظيفة بالشيفرة التي هي أحد عناصر التواصل عند جاكبسون، وهي الوظيفة التي تقوم بوصف اللغة نفسها وهي بذلك وظيفة شرح وتوضيح وتفسير، إذ إنها تفسر اللغة وتوضح المقصود من الرسالة اللغوية.
عناصر التواصل عند جاكبسون
كلّ ما تم شرحُه وتفصيلُه من وظائف اللغة عند جاكبسون له أساس اعتُمد عليه، فجاكبسن وضَعَ بادئ ذي بدء عناصر التواصل لأي حدث لغوي، واستنبط منها ما يُسمَّى وظائف اللغة عند جاكبسون، وإن نظرية التواصل قامت على تحديد العناصر الستة للحدث اللغوي وهي:[٣]
الرسالة: هي العنصر الأول في نظرية التواصل عند جاكبسون، والمقصود بها ما قاله ونقله المرسِل -أي المتكلم- من معلومات إلى المُرسَل إليه، وترتبط بالوظيفة الشعرية.
المُرسِل: هو الذي يؤلّف الرسالة، ويرسلها إلى المُرسَل إليه، وليس بالضرورة أن يكون المرسِل دائمًا شخصًا فقد يكون آلة أو جهازًا أو ما شابه، ونصيب هذا العنصر من وظائف اللغة عند جاكبسون هو الوظيفة التعبيرية.
المُرسَل إليه: هو الذي يتلقّى رسالة المُرسِل، ومهمّته في الحدث اللغوي وهي فهم الرسالة، وفكِّ رموزها وتفسيرها، ولذلك كانت الوظيفة الإفهامية من نصيبه حسب ما ورد في وظائف اللغة.
قناة الاتصال: لا بدّ أن لكل رسالة قناة تمر من خلالها، وهذه القناة اصطلح عليها جاكبسون بقناة الاتصال، ومن مهامها إنشاء الاتصال والحفاظ عليه، ولذلك كانت الوظيفة الانتباهية هي الأمثل لقناة الاتصال.
السَّنن أو الشيفرة: المقصود بها مجموعة العلامات المركبة والمرتبة في قواعد والتي يستخدمها المرسِل في رسالته، وإن فهم تلك العلامات مشروط بوجود معجم مشترك بين المرسِل والمرسَل إليه، وذلك لكي يتم التواصل وفهم الرموز والإشارات الموجودة في الرسالة.
السياق: وهو المحتوى الذي قيلت فيه الرسالة، إذ لا يمكن فهم مكوناتها، و تحليل رموزها وسَننها إلا بالرجوع إلى السياق الذي قيلت فيه، والمرجع الذي بُنيَت عليه.
ومن خلال ما تقدم يمكن القول إن النص هو كلّ كلام متّصل ذو وِحدة تقوم على بداية ونهاية، ومن أبرز سماته التماسك والترابط، فكل العناصر السابقة تعمل متآزرة ومتعاونة لإنتاج النص اللغوي، وهذا التفاعل يؤدّي بالنصّ إلى إحداث وظيفته التي تتمثّل في خلق التواصل بين مُنتِج النصّ ومُتلقّيه.