«يوم مثالي» للاسباني فيرناندو ليون دو أرانوا الضّحك في فيلم عن الحرب ومآسيها

«يوم مثالي» للاسباني فيرناندو ليون دو أرانوا.. الضّحك في فيلم عن الحرب ومآسيها

«يوم مثالي» للاسباني فيرناندو ليون دو أرانوا.. الضّحك في فيلم عن الحرب ومآسيها

باريس- «القدس العربي»: قد تتجاور المأساة والملهاة في عمل واحد، في فيلم واحد ينقل ضمن مواقف وحوارات تثير الضّحك حكاية يناسبها أكثر الحزن وربّما الدّموع على ما تتم مُشاهدته، قد تُسبّب مشاهد ما الضّحك في سياق مؤلم، في مكان وزمان محدّديْن، كأن تكون حرباً مثلاً، هذا ما يقدّمه «يوم مثالي»، إنّما بجرّ الحالتيْن، المأساة والملهاة معاً، إلى نهايات متطرّفة، مُجاوراً بينها، وعلى طول الفيلم، من المشهد الأول حتى الأخير.
تعليق لأحدهم في الفيلم قد يُطلق ضحكات عالية في الصّالة، في وقت تقف فيه الشّخصيات أمام بيت عُلّق أصحابه مشنوقين في باحته. ليس ذلك نقيصة في الفيلم، بالعكس، إن استطاع الفيلم التوفيق بين الأمرين، أن تكون المأساة فيه مأساة متطرّفة والملهاة فيه كذلك ملهاة متطرّفة، أن يكون الفيلم كوميدياً تماماً وتراجيدياً تماماً، فهذه تُحسب له.
هو الفيلم الأوّل النّاطق بالإنكليزية للمخرج الإسباني فيرناندو ليون دو أرانوا، بعد أفلام بالإسبانية منها «أيّام الاثنيْن في الشّمس» (Mondays in the Sun) و «الأميرات» (Princesas)، ويحكي عن مجموعة ضمن منظّمة غير حكوميّة اسمها «مساعدات بلا حدود» يقضي أعضاؤها يوميْن وليلة لإنجاز مهمّة هامشيّة ومستحيلة في الوقت ذاته، وعبثيّة ضمن حالة الحرب، وهي إيجاد حبل. والحديث هنا عن فترة ما بعد الحرب في البلقان في 1995.
يبدأ الفيلم بلقطة تستحق وصفها بالمبهرة، زاوية التّصوير وغرابته ووضوح موضوع التّصوير ضمن الإطار تدريجياً، ليجد المُشاهد أنّ أمامه رجلاً ثقيلاً معلّقاً بحبل يُسحب ليُخرجه من بئر، يدور الرّجل ويتساقط منه الماء وهو يرتفع عن سطحه، والكاميرا تصوّره من قاع البئر، من تحت الماء.
الفريق الدّولي للمنظّمة مكوّن من أربعة ومترجم، رجلين وامرأتين، الأدوار الأساسيّة هي للرجلين، أمّا الامرأتيْن فكانتا إضافةً أو ديكوراً أو حتى عالة على عمل الفريق، وهذه سقطة واضحة في الفيلم. قائد الفريق من بورتوريكو (الأمريكي بينيسيو ديل تورو) ومساعده من أمريكا (الأمريكي تيم روبين) هما الفاعلان في الفريق والفيلم، أمّا الامرأتان فهما من فرنسا (الفرنسية ميلاني تيري) وروسيا (الفرنسية أولغا كوريلينكو). أمّا الفرنسية فقُدّمت على أنّها تُبالغ في مثاليّتها وفي ردّ فعلها أمام ما يحصل، والرّوسيّة قُدّمت على أنّها صديقة قائد الفريق السابقة، أقامت علاقة معه ولا تكف على التلميح برغبتها في أن تعيدها.
يسعى الفريق من المشهد الأوّل إلى إخراج الرّجل الميّت من البئر وبأقرب وقت ممكن حتى يتمكّنوا من تعقيم مياهه. ينقطع الحبل في الدّقائق الأولى فيبدأون مشوارهم في البحث عن حبل، تعيقهم بعض التقاليد في المنطقة، وكذلك جيش صربي كما بدا مازال يقيم حواجزه، وبيروقراطيّة الأمم المتّحدة والقوّات الدوليّة هناك، لكل من هؤلاء حساباته، وللمنظّمة مهمّتها في إيجاد الحبل.
النّص مأخوذ عن رواية، والكوميديا في الفيلم مبنيّة على الحوارات القصيرة، لا المواقف، على التعليقات والكيفيّة التي تُقال بها، تحديداً تلك التي تخرج من مساعد الفريق، وهذه التعليقات كفيلة بجعل الفيلم كوميدياً بامتياز، رغم السياق المأساوي الذي تدور فيه أحداثه. ونشير إلى أنّ كاتب السيناريو هو المخرج ذاته، الإسباني أرانوا.
اللقطة الأوّلى في الفيلم تشكّل علامة جماليّة فيه، لكن الجماليّة هنا لم تكن في التّصوير وحسب، أي لم تكتف بالشّكل، بل امتدّت لتشمل علاقة اللقطة بمجمل الفيلم، فما يحصل فيها هو المبرّر لمشوار البحث عن حبل. أمّا إن كانوا سيجدون حبلاً أم لا، وإن كانت الجثّة ستخرج من البئر أم لا، وكيف بكل الأحوال، فهذه سخرية سينتهي عليها الفيلم، في إشارة إلى العبثيّة في كل ما كان الفريق يقوم به طوال مشوار البحث.
عُرض «A Perfect Day» ضمن «أسبوعَي المخرجين» في مهرجان كان السينمائي الأخير، ويُعرض حالياً في الصالات الفرنسية.
سليم البيك

m2pack.biz