أسطوانة «الولاء يسبق الكفاءة» تستقر مجدداً في الإدارة الأردنية العليا… سجال ضد حكومة الملقي بعد وجبة تعيينات جديدة شملت «أبناء الذوات»
عمان «القدس العربي»: لا تغادر حكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي المألوف الأردني وهي تعود للعبة التقليدية نفسها في آخر سلسلة تعيينات لها علاقة بمجلس إدارة الإستثمار في الضمان الإجتماعي حيث تم تعيين أربعة من أبناء المسؤولين الحاليين والسابقين.
هي المحاصصة والعقلية نفسها في المقاعد العليا في إدارة المؤسسات الكبيرة حيث المحظيون فقط وأولادهم الذين يتمترسون بمقاعد مجلس الإدارة حيث المصالح المادية وغير المادية. هي جوائز ترضية تمنح لأشخاص وليس لفئات اجتماعية او عشائر لها حضور قوي في بناء النظام والدولة.
المنطق نفسه أحاط بتشكيلات المجالس البلدية المؤقتة مؤخراً حيث جلس في العديد من المقاعد من لهم مصالح مباشرة من حيث الترخيص والتوسع التجاري في البلديات. وقبل ذلك اعتمدت اللعبة نفسها في اختيار العديد من اصحاب المواقع الاستشارية المتقدمة حيث تغيب معايير التعيين المهني بوضوح عن عمليات توظيف لمواقع عليا تتم خلف الستارة ولا أحد يستطيع متابعتها او معرفة خلفياتها وبالطريقة نفسها يخرج بعض كبار المسؤولين ايضاً.
عملياً أثارت تعيينات الضمان الاجتماعي الأخيرة موجة من النقد والسخرية في وسائط التواصل الاجتماعي بعدما ظهر أن الرئيس الملقي ورغم كل ما يقوله مع اركان حكومته عن الشفافية والعدالة في التعيينات ومعايير الكفاءة والمهنية يلجأ للطريقة القدمية نفسها في اختيار «أبناء الذوات والمصالح» في توزيع الوظائف التي تتحكم في مؤسسات تتحكم بدورها برقاب المواطنين.
طبعاً يضطر بعض رؤساء الحكومات لمجاملة بعض الشخصيات التي تشكل ثقلاً سياسياً أو اجتماعياً أملاً في شراء صمتها مقابل وظيفة استشارية هنا أو هناك في الوقت الذي يلاحظ فيه الجميع بأن مشكلات الإدارة البعيدة عن منطق الخدمة العامة تبقى متواصلة جيلاً بعد جيل حسب ما يراه عضو البرلمان السابق ميشال حجازين. في حادثة شهيرة ومتداولة وخلال إجتماع في القصر الملكي هاجم وزير عامل وبارز أمام الملك بعض المستشارين من حوله لأنهم يخططون للاعتماد على «الكفاءة « بدلاً من «الولاء» ملمحاً الى أن ذلك ينطوي على مؤامرة على النظام. لا أحد يعرف كيف يمكن خدمة النظام بالولاء فقط وبدون كفاءة.
لكن تكشف هذه الحادثة في رأي سياسي مخضرم تحدث ل«القدس العربي» عن مستوى استقرار الذهنية الإدارية التي ترى بالمناصب العليا وسيلة لإرضاء الدولة والمرجعيات فقط وليس تقنية للتعبير عن «الخدمة الوطنية والعامة».
الغريب ان الولاء الذي يؤدي للاحتفاظ بوظيفة عليا ليس شرطاً ان يطال المؤسسات المرجعية بل يمكن استعارته لصالح رئيس حكومة أو شخصية نافذة هنا أو هناك. يحصل ذلك مع العلم بأن الولاء مسألة لا يمكن قياسها ويمكن تمثيلها وتزييفها في الوقت نفسه.
ومع العلم بأن مشكلات الإدارة العليا أكبر بكثير من ان تترك لمن يتقنون فن ادعاء الولاء فقط وهو ما لفت الأنظار له وزير البلاط الاسبق مروان المعشر في حوار سياسي شاركت فيه «القدس العربي» قبل أسابيع. كما يحصل بوضوح فيما تتوقف ماكينة النخبة الأردنية تماماً وبشكل يمكن تلمسه وليس رصده فقط عن الحديث عن الإصلاح حتى في شقه الإداري حيث يعبر مسؤولون كبار عن ترحيبهم واسترخائهم بأن الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب لا تتحدث مع الأردن عن أي من أنماط الإصلاح الداخلي كما كانت تفعل إدارة سلفه باراك أوباما.
بمعنى آخر لا توجد اليوم معايير «دولية» تضغط على الحكومة الأردنية من أجل إنجاز الإصلاح في كل المساحات، يمكن ببساطة رصد نتائج ذلك في الأسس التي تم بموجبها إختيار الكثيرين مؤخرا في مجالس الإدارة للمؤسسات التابعة للسلطة او في عدة مواقع متقدمة.
ذلك يبقي عمليا في رأي مراقبين مخضرمين معايير الإصلاح الإداري حكراً على»العوامل الذاتية الداخلية» التي تغيب وتظهر بصورة موسمية من جانبها وتتحول مع استقرار مسائل التعيين في الوظائف العليا في حضن طبقة الذوات والمحظيين وأولادهم فقط إلى مجرد «هتافات وشعارات» داخل أجهزة الحكومة ولأغراض الاستهلاك ليس أكثر.
يثير ذلك سخط الجمهور الأردني خصوصاً مع نمو ظاهرة الإجراءات الاقتصادية الغليظة والخشنة وموجة ارتفاع الأسعار في الوقت الذي يخشى فيه بعض أعمدة الحكم والدولة من ان يؤثر الأمر سلباً حتى على خطط الدولة واستثماراتها وتوظيفاتها السياسية في المستوى الإقليمي أو السياسي او الدولي.
ثمة مؤشرات مستجدة على تدشين خط أردني خاص بالاستثمار الإقليمي السياسي في مشروع متعدد الأوجه.. يتنامى الشعور بان النجاح هنا يحتاج لالتفاتة أكبر وأوسع للأوراق الداخلية المنفلتة وعلى رأسها مسألة اختيار أصحاب المناصب العليا والأدوات.
Share on Facebook