أموال «العهد الجديد» واستثمارات بن سلمان آتية… لم تأتِ؟ وحكومة الملقي تتهيأ لمزيد من الوعود ل«فقراء الوطن»
عمان – «القدس العربي» : مسألتان لم تحسمهما الحكومة الأردنية بعد: الأولى ترتدي زي السؤال المتكرر على ألسنة النخب وأصحاب القرار: هل ستأتي أموال من أي نوع بقرار سياسي سريع من «العهد الجديد» والصديق في السعودية؟
أما المسألة الثانية فتتعلق بالكيفية التي ستتصرف بها حكومة الرئيس الدكتور هاني الملقي تحت عنوان «إكمال إجراءات الإصلاح الاقتصادي» خصوصاً في الربع الأخير من العام الحالي.
حتى اللحظة يمكن الإصغاء لكل المسؤولين الأردنيين وهم يقولون بعدم وصول أي شيء عليه القيمة مالياً من الحليف السعودي لا على صعيد المساعدة ولا على صعيد الاستثمار وتلك المشاريع التي وعد بها النجم السعودي الساطع الأمير محمد بن سلمان.
المتفائلون فقط من الساسة يتحدثون عن «أولويات» سعودية وعدم التفرغ والانشغال بهموم إقليمية مع المطالبة بإظهار قدر من الصبر على أساس ان الشقيق السعودي قادم لا محالة من بوابة الاستثمار عندما تنتهي الأزمة الحالية في النادي الخليجي.
المتشائمون وهم الأكثر عدداً يلفتون النظر إلى ان الانشغالات السعودية لم تمنع أو تؤخر مشاريع الدعم المالي والاستثماري لنظام الرئيس السيسي في مصر.
بكل الأحوال غياب حتى ملامح الاستثمار السعودي في الأردن يبقي الحاجة ملحة للاستمرار في إنشاد أغنية الإصلاح الاقتصادي. وعبارة» الإصلاح الاقتصادي» تمثل عندما يتعلق الأمر بالجانب السياسي الأسلوب اللعوب والناعم في الحديث عن المزيد من رفع الأسعار والضرائب. بالنسبة للخبراء الذين لا يفهمون إلا لغة الأرقام مثل وزير المالية عمر ملحس وزميله وزير التخطيط عماد فاخوري العبارة نفسها لها مدلول اوضح يتمثل في ان الخطوة التالية للحكومة ينبغي ان تكون الانتقال لمستوى «الجميع يدفع الضريبة على كل السلع وكل الخدمات».
على نحو أو آخر وقبل التعديل الوزاري الأخير وتعيين وزير متخصص للاستثمار تحديداً من النادي نفسه الذي يؤمن برفع كل الضرائب والأسعار وعلى الجميع وجد مجلس الوزراء نفسه في مواجهة حالة تشبه «لحظة الحقيقة والواقع» بعدما ألح وزير لا علاقة لاختصاصه البيروقراطي بالمسألة المالية هو الدكتور عمر الرزاز وزير التربية والتعليم على طرح السؤال التالي: عبرنا بسياسة رفع الأسعار منتصف عام 2017.. الأهم ما الذي ينبغي ان نفعله في عام 2018؟ الرزاز وهو أصلاً باحث وخبير اقتصادي أثار تعيينه وزيراً للتربية والتعليم جدلاً عنيفاً في وقت تشكيل الحكومة ينتمي فكرياً للمدرسة التي لا تؤمن باعتماد سياسة «تخفيض العجز» في الميزانية فقط على تعزيز واردات الخزينة من الضرائب فقط. الرزاز من الفريق الذي يؤمن بجذب الاستثمار والتركيز على رفع نسبة النمو الاقتصادي وتنويع خيارات الاقتصاد والقضاء على كل المعوقات البيروقراطية والاستثمار اقتصاديا في الإصلاح السياسي.
طبعاً الطاقم الاقتصادي الوزاري لا تعجبه كل الآراء التي تؤمن بإظهار قدر من «الرحمة» مع المواطنين أو تحذر من كلفة سياسة الرفع.
الأهم في مربع القرار الاقتصادي ثمة تحذير يطلقه خبراء يعتد بهم ويقول التالي: إذا لم تبادر الحكومة للانتقال وفوراً إلى المستوى التالي في إكمال الإصلاحات الاقتصادية بمعنى «ضريبة على الجميع وعلى كل شيء مع دعم نقدي مباشر للفقراء فقط» لن يستفيد الجميع وسيأتي اليوم الذي يفرض فيه على الأردنيين ما يمكنهم ان يقرروه الآن وبخطة رشيدة تحتاج لبعض الجرأة.
طبعاً الفريق الأخير يضغط بقوة على الرئيس الملقي الذي شعر ب»سعادة غامرة» قبل سفرته الأخيرة في إجازة خاصة وعائلية في الإسكندرية المصرية. وسبب هذه الحماسة هو الارتفاع الذي تتحدث عنه التقارير في نسبة «النمو الاقتصادي» وهو ارتفاع حصل برأي الخبراء نتيجة لتخفيض عجز الميزانية المالية بنحو 500 مليون دينار على الأقل. يستوجب الأمر احتفالاً وزارياً لأن حكومة الملقي هي الوحيدة التي حققت هذا المنجز عملياً منذ عام 2008 وإن كان القوم يختلفون في تفسير أسباب هذا المنجز حيث أن سببه الرئيسي هو تدبير نحو نصف مليار من رفع الأسعار والضرائب ومن دون تظاهرات أو مسيرات أو حتى احتجاجات في الشارع.
هذا التدبير يدفع الطاقم الاقتصادي للضغط على الملقي حتى تتواصل الحماسة بتدبير مبلغ مماثل قبل حلول ميزانية عام 2018 مع إسقاط القناعة بأن البطل في المشهد هو الشارع الأردني الذي أظهر قدرة كبيرة على هضم مسألة ارتفاع الأسعار حرصاً على الاستقرار العام ويأساً من سياسات تتوقف عن الاعتماد على جيب المواطن. هنا حصرياً برز الملقي وهو يدلي بخطاب عاطفي قصير بين بعض الوزراء معلناً انه قرر «العمل والإنجاز بدلاً من الاسترخاء».. تلك صيغة قد تلمح الى ان الملقي مستعد لإظهار زهد إضافي في «الشعبية» وجرأة على الرغبة في البقاء بموقعه لأطول فترة ممكنة حيث لا يوجد إلا «درب يتيم» لتحقيق ذلك وهي «إكمال الإجراءات الصعبة» تحت ذريعة ضرورة اتخاذ تدابير وطنية قبل ان تفرض على الأردنيين. التلميح ملموس هنا لأن الملقي «خضع» لمنطق المحرضين من وزرائه على المضي قدماً في الإجراءات غير الشعبية التي تعني رفع المزيد من الأسعار والضرائب لأن رئيس الوزراء عندما يقرر عدم الاسترخاء والتركيز على العمل فقط يمكن الوصول إلى استنتاج يقول بأن الحكومة تقترب من صيغة جديدة ضد آمال الشارع والفقراء قوامها «ضريبة على كل شيء وجميع السلع». طبعاً لم يحسم الملقي أموره قطعياً بعد ويدرس خياراته بعنوان: كيف نفعل ذلك؟
لكن ميله للخيار المشار إليه يعني تلقائياً بأن الحكومة ستبدأ لاحقاً بمرحلة «عدم الاسترخاء» التي تعني تمرير المزيد من رفع الأسعار والضرائب بالتزامن مع كل الشحنات العاطفية المعتادة التي تعد «فقراء الوطن» والموظفين وذوي الدخول المحدودة بالاستمرار في حمايتهم وتعويضهم عن فارق الأسعار.
لافت جداً ان كل ذلك يحصل بغطاء كامل يدعم ويسند وزارة الملقي من مركز القرار وبغياب ملموس لمجلس النواب. والأهم يحصل من دون تلك «الجرعات» المعتادة في الإصلاح السياسي أو حتى من دون التحدث عنه.
كذلك يحصل برفقة اليأس من عدم وصول قطار المساعدة السعودية لسكة عمان.. وتلك بحد ذاتها قصة أخرى بامتياز.