«الخطر الكردي» يدفع تركيا للقبول بالنظام ضمنياً في سوريا وبالميليشيات الشيعية في كركوك
إسطنبول «القدس العربي»: بشكل دراماتيكي، تتجه تركيا علنياً وضمنياً للتعامل والتعاون مع من كانوا يعتبرون بالأمس القريب «أعداءً» لها في سوريا والعراق، وذلك من أجل القدرة على مواجهة ما تعتبره فعلياً خطراً أكبر على أمنها القومي والمتمثل في احتمال قيام دولتين كرديتين في شمالي سوريا والعراق.
وفي ظل افتقار أنقرة لحلفاء أقوياء على الجبهتين العراقية والسورية مع الأكراد لا سيما من القوى السياسية والعسكرية السنية في البلدين، اتجهت السياسة التركية على استحياء لمهادنة أعداء الأمس والتعامل معهم في مسعى لوقف تمدد الأكراد في سوريا والعراق الذين اقتربوا من إعلان دولهم هناك، وذلك بسبب انحسار الخيارات وصعوبات المعادلات السياسية والعسكرية بالمنطقة بسبب الزخم الأمريكي والروسي والنفوذ الإيراني، حسب محللين أتراك.
وبينما تبدو أنقرة قد قبلت علناً التعامل مع روسيا وإيران وضمناً القبول بالنظام السوري من أجل وضع حد لتمدد وحدات حماية الشعب الكردية في سوريا، تقاربت أنقرة مع الحكومة العراقية التي دفعت قواتها والمليشيات الشيعية التابعة لها، الاثنين، لمهاجمة مدينة كركوك في ظل الأزمة المتصاعدة منذ الاستفتاء الذي أجرته إدارة إقليم شمال العراق للانفصال عن الدولة نهاية الشهر الماضي.
ففي العراق، وحتى قبيل أشهر قليلة، واصلت تركيا انتقاداتها اللاذعة للحكومة العراقية التي وصفتها مراراً تكراراً بأنها حكومة طائفية تقوم بعمليات تطهير عرقي ضد العرب السنة في المحافظات السنية بحجة الحرب على تنظيم الدولة، وأدت مساعي أنقرة لمشاركة جيشها في الحرب على تنظيم الدولة في الموصل وتعزيز قواتها في قاعدة بعشيقة إلى تهديدات متبادلة بالاشتباك العسكري بين جيشي البلدين.
في تلك الأثناء، كانت العلاقات بين أنقرة وإدارة إقليم شمال العراق في أربيل ما زالت تتمتع بأعلى درجات التنسيق التعاون السياسي والأمني والاقتصادي، قبل أن تجري إدارة الإقليم الاستفتاء على الانفصال عن العراق، هو ما عارضته أنقرة واعتبرته تهديداً لأمنها القومي، وبدأت على أثر ذلك سلسلة عقوبات سياسية واقتصادية على الإقليم بتعاون غير مسبوق مع الحكومة العراقية في بغداد.
وكان «التدخل العسكري من أجل حماية التركمان في كركوك» من أبرز التهديدات التي أطلقتها تركيا في ظل تصاعد الأزمة مع إقليم الشمال، لكن يبدو أن أنقرة باتت ترى فعلياً في الحكومة العراقية القريبة من إيران والميليشيات الشيعية التابعة لها والمتمثلة في قوات الحشد الشعبي أقل خطراً عليها من إمكانية قيام دولة كردية في شمال العراق على الرغم من الخسائر السياسية والاقتصادية الكبيرة الأخرى المترتبة على هذا التغيير في التحالفات.
ويرى مراقبون أن أنقرة ليس لديها حلفاء أقوياء في شمالي العراق يمكن أن تعتمد عليهم أو تدعمهم من أجل مساعدتها في تمرير مخططاتها هناك، سواء من العرب أو التركمان السنة، وهو ما دفعها «مُكرهة» للتعاون مع حكومة بغداد ومليشياتها ضد إدارة إقليم شمال العراق.
وبعد أن اعتبرت الحكومة العراقية في تصريح نادر أن جلب عناصر تنظيم بي كا كا إلى كركوك يعتبر بمثابة «إعلان حرب»، أعلنت وزارة الخارجية التركية أن أنقرة مستعدة للعمل والتحالف مع الحكومة العراقية من أجل إنهاء تواجد مسلحي التنظيم في كركوك وباقي الأراضي العراقية، محذرة إدارة إقليم شمال العراق من ما وصفته «ارتكاب مزيد من الأخطاء الفادحة».
وعلى الجبهة الأخرى في سوريا، يواصل الجيش التركي نشر قواته داخل إدلب ضمن اتفاقية مناطق عدم الاشتباك بين الدول الثلاث الضامنة تركيا وروسيا وإيران، لكن أنقرة ركزت جهودها في المرحلة الأولى على ضمان جدار أمني على طول الحدود بين إدلب وعفرين التي تسيطر عليها وحدات حماية الشعب التركية وتخشى أنقرة نيتها التمدد نحو إدلب لوصل مناطق سيطرتها على طريق إقامة كيان كردي شمالي سوريا.
وبينما يبدو التعاون التركي حالياً مع روسيا وإيران فقط، إلا أن العديد من الكتاب الأتراك في مقالاتهم بالصحافة التركية والمحللين الأتراك الذين تحدثوا ل«القدس العربي» لم يخفوا تقبل بلادهم لحل مستقبلي في سوريا يضمن عودة النظام للسيطرة على البلاد ضمان وحدة الأراضي السورية بما يمنع إقامة كيان كردي على الحدود مع تركيا.
ولفت هؤلاء الكتاب والمحللين إلى أن تركيا ربما تجد نفسها مضطرة لاحقاً للانسحاب من إدلب لصالح النظام في حال كان يمتلك القدرة الكافية على السيطرة على الحدود وإفشال مشروع الدولة الكردية، وذلك في ظل فشل فصائل المعارضة السورية من تحقيق رؤية أنقرة بوقف تمدد الوحدات الكردية بعد تراجع احتمالات إسقاط الأسد من السلطة، بسبب التغيرات الدولية وتفتت المعارضة وأسباب أخرى متعددة.
بينما تبدو الإجراءات المتخذة بالتعاون مع الحكومة العراقية وإيران ضد إقليم الشمال مجدية حتى الآن في وقف خطوات الإقليم ولو في المرحلة الحالية، لا يعرف إلى أي مدى يمكن أن تتمكن القوات التركية في التدخل عسكرياً في عفرين وربما مناطق أخرى كإدلب من أجل بما يتيح الحديث عن تقويض حقيقي للمشروع الكردي الذي ما زال يسيطر على مناطق شاسعة من الحدود ويتمتع بدعم أمريكي كامل.