المعارضة التركية في أفضل حالاتها منذ سنوات.. هل بدأت تهدد 15 عاماً من تفرد أردوغان وحزبه بالحكم؟
إسطنبول «القدس العربي»: في خطوة غير متوقعة وصفت ب«الذكية»، تمكن حزب الشعب الجمهوري أكبر أحزاب المعارضة التركية من إعادة الروح والثقة إلى مكانته في الشارع التركي وإلى المعارضة بشكل عام ونجح في إقامة أكبر حشد جماهيري للمعارضة منذ سنوات، الأمر الذي فتح الباب واسعاً أمام التكهنات حول مستقبل المعارضة التركية واستمرار تفرد حزب العدالة والتنمية والرئيس رجب طيب أردوغان في الحكم والمتواصل من دون انقطاع منذ 15 عاماً.
هذا التطور جاء في إطار الحراك المبكر الذي بدأته جميع الأحزاب التركية استعداداً للانتخابات التاريخية والمصيرية المقرر أن تجري عام 2019 للرئاسة والبرلمان لأول مرة بشكل متزامن بموجب التعديلات الدستورية التي نجح أردوغان في تمريرها نيسان/أبريل الماضي وسيتم بموجبها البدء رسمياً بتطبيق النظام الرئاسي في البلاد.
وبينما يرى أردوغان في هذه الانتخابات محطة تاريخية في حياته السياسية والامتحان الأهم وصولاً لطموحه بإبقاء حزب العدالة والتنمية في الحكم حتى عام 2023 لتحقيق رؤيته السياسية والاقتصادية في البلاد، تعتبر المعارضة هذه الانتخابات فرصة مهمة للإطاحة بالحزب وأردوغان من رأس السلطة لا سيما عقب نتائج الاستفتاء الأخيرة الذي أظهر تراجعاً واضحاً في شعبية الحزب في الشارع التركي.
والشهر الماضي، وعقب إصدار القضاء التركي حكماً بالسجن بحق أحد نواب الحزب بتهمة إفشاء أسرار الدولة، أعلن كمال كليشدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري تنظيم ما أطلق عليها «مسيرة العدالة» التي انطلقت من العاصمة أنقرة للسجن الذي يقبع فيه النائب بإسطنبول سيراً على الأقدام ولمسافة أكثر 450 كيلومتر.
المسيرة التي استمرت لمدة 25 يوماً، ووصلت إسطنبول، الأحد، اختتمت بمهرجان جماهيري شارك فيه مئات الآلاف ورفعت فيه شعارات العدالة والحقوق والحريات وسعى الحزب إلى اجتذاب شخصيات معارضة من أحزاب وفعاليات سياسية أخرى في خطوة تؤشر إلى إمكانية البدء بتشكيل جبهة معارضة أوسع من خارج الحزب في مسعى لتعزيز فرص منافسة العدالة والتنمية الذي ما زال يتمتع بأوسع قاعدة جماهيرية في البلاد.
وبينما قدر مراقبون الحضور في المهرجان ب»مئات الآلاف» قالت المعارضة إنه ضم مليون و700 ألف شخص، وردت بلدية المنطقة التي جرى فيها ببيان يؤكد على أن التقديرات الرسمية تقول إن عدد الحضور لم يتجاوز ال175 ألف شخص.
لكن وبعيداً عن هذه الأرقام، فإن الفعالية تعتبر نجاحاً للحزب الذي فشل في جميع معاركه الانتخابية على مدار ال15 عاماً الماضية، وكان زعيمه حسب مراقبين- أحد أسباب تراجع وترهل الحزب طوال السنوات الماضية ما دفعه على ما يبدو لابتكار طريقة جديدة لإعادة الروح للمعارضة ومكانتها في الشارع التركي من خلال «مسيرة العدالة» التي حاول ترتيبها على طريقة «مسيرة الملح» التي نظمها المناضل الهندي مهاتما غاندي.
كليتشدار أوغلو الذي زار، الاثنين، النائب أنيس بربروغلو المحكومة عليه بالسجن 25 عاماً، قال أمام الجماهير، الأحد: «سنكسر جدران الخوف»، معتبراً أن «اليوم الأخير من المسيرة ليس سوى انطلاقة جديدة في المعارضة بالبلاد»، وأضاف: «سرنا من أجل العدالة، ومن أجل حقوق المضطهدين، ومن أجل النواب المسجونين والصحافيين المعتقلين والجامعيين المقالين».
وبعد أن كانت المعارضة تركز انتقاداتها على شخص الرئيس التركي، حاولت في الأسابيع الأخيرة مخاطبة المتضررين من إجراءات أردوغان ضد المعارضين والمتهمين بالانتماء إلى تنظيم غولن، ويدافع الحزب عن قرابة 50 ألف شخص جرى اعتقالهم منذ محاولة الانقلاب وعشرات الآلاف الآخرين الذين جرى فصلهم وتصول المعارضة إن الاتهامات بحقهم جزافية وتتم بشكل عشوائي وانتقامي دون تهم واضحة.
وعلى الرغم من المعارضة الشديدة لأردوغان والحكومة للمسيرة وتوجيه انتقادات حادة لزعيم الحزب، إلا أن الأمن التركي وفر حماية استثنائية لها طوال 25 يوماً وتولى 15 ألف شرطي حماية المهرجان الختامي الأحد، وذلك خشية تنفيذ هجمات ضدها بعد أن اعتقلت السلطات قبل أيام مجموعة تتبع لتنظيم الدولة قالت إنها كانت تخطط لتنفيذ هجوم ضد المسيرة.
وأظهرت نتائج الاستفتاء الأخير الذي جرى نيسان/أبريل الماضي في البلاد تراجعا واضحا في شعبية حزب العدالة والتنمية الذي مرر التعديلات الدستورية بفارق ضئيل جداً بعد أن خسر أغلبيته في المحافظات الكبرى وعلى رأسها إسطنبول والعاصمة أنقرة وإزمير وديار بكر.
وعقب النتائج صرح كبار قادة الحزب وعلى رأسهم أردوغان عن ضرورة استخلاص العبر من النتائج والبدء بإصلاحات في أداء الحكومة وتركيبة الحزب الداخلية، وبالفعل بدأ أردوغان حملة تغييرات واسعة في أطر وأروقة الحزب يتوقع أن تتوسع لتشمل قرابة 60٪ من مسئوليه خلال الفترة المقبلة وتهدف هذه الإجراءات بالدرجة الأولى لتعزيز دور الشباب والشخصيات المقربة من الشارع وقاعدة الحزب.
وفي الوقت الذي هاجم فيه عدد كبير من الكتاب الموالين للحكومة المسيرة وشككوا في أهدافها ونوايا كليتشدار أوغلو، وحاولوا الربط بين المسيرة والتعاون بين «الشعب الجمهوري» وحزب الشعوب الديمقراطي الكردي، لجأ آخرون إلى تنبيه الحزب الحاكم بضرورة استخلاص العبر والبدء بتطبيق إصلاحات أوسع محذرين من أن مهمة الحزب في الانتخابات المقبلة لن تكون سهلة.
وكان نقل عن أردوغان قوله في اجتماع للحزب عقب عودته إليه: «استخلصنا رسائل واضحة خلال الاستفتاء الشعبي الذي أجري في 16 نيسان / أبريل عام 2017. نظراً إلى ذلك فإن انتخابات 2019 تحمل أهمية كبيرة بالنسبة إلينا. إن لم نتستخرج الدروس اللازمة من هذه الرسائل، فسيكون الأمر في غاية الصعوبة خلال الانتخابات الرئاسية عام 2019».