بعد تكرار حوادث العراك وتبادل الشتائم واستهداف بعض رموز الدولة مَن المسؤول عن تدني الخطاب السياسي لأعضاء البرلمان التونسي

بعد تكرار حوادث العراك وتبادل الشتائم واستهداف بعض رموز الدولة: مَن المسؤول عن تدني الخطاب السياسي لأعضاء البرلمان التونسي

بعد تكرار حوادث العراك وتبادل الشتائم واستهداف بعض رموز الدولة... مَن المسؤول عن تدني الخطاب السياسي لأعضاء البرلمان التونسي

تونس – «القدس العربي»: يثير الخطاب السياسي «المتدني» لدى عدد كبير من نواب البرلمان التونسي جدلاً كبيراً في البلاد، وهو ما يدعو بعض التونسيين للتساؤل حول المستوى الثقافي والسياسي للأشخاص الذين منحوهم أصواتهم ذات يوم، ومدى أهليتهم للاستمرار بهذا المنصب الحساس كممثلين عن الشعب التونسي.
وشهد البرلمان التونسي مؤخراً حوادث عدة تتعلق بتبادل العراك والشتائم بين عدد من نواب الائتلاف الحاكم والمعارضة، فضلاً عن لجوء بعض النواب لاستهداف عدد من الشخصيات الاعتبارية ورموز السلطة في البلاد كرئيسي الحكومة والجمهورية خاصة، حيث وصل الأمر إلى نعت إحدى النائبات للرئيس الباجي قائد السبسي بأنه «رئيس مافيا» وهو ما دفع عدداً من السياسيين والحقوقيين إلى مقاضاتها والمطالبة برفع الحصانة عنها.
ويتفق السياسيون التونسيون على انتقاد الخطاب الذي ينتهجه عدد كبير من نواب البرلمان (من الائتلاف الحاكم والمعارضة)، لكنهم يختلفون حول أسبابه، فثمة من يرد الأمر إلى التجربة الديمقراطية الحديثة في البلاد، مشيراً إلى أن عدداً كبيراً من النواب لا يملكون خبرة سياسية، ومن يرى أن الإحساس بالغبن والضعف لدى المعارضة يدفعها أحيانا لرفع حدة انتقادها للائتلاف الحاكم مع استخدام بعض العبارات «الجارحة» والتي تخرج أحيانا عن الأعراف والتقاليد السياسية، وثالث يرى أن الأمر هو مجرد حلقة في «الانحدار السياسي» الكبير الذي تعيشه البلاد على مستويات عدة بدء بالبرلمان وانتهاء بالسلطة التنفيذية والأحزاب السياسية عموما.
ويقول المؤرخ والباحث السياسي د. عبد اللطيف الحنّاشي: «نحن في المرحلة الأخيرة من مسار الانتقال الديمقراطي، والتجربة الديمقراطية وليدة في تونس كما أن هناك عدداً كبيراً من نواب المجلس التأسيسي (البرلمان السابق) ومجلس نواب الشعب الحالي تجربتهم السياسية متواضعة جدا وهي تجربة طارئة أيضا، بمعنى أنهم دخلوا عالم السياسة بعد الثورة ولا يملك جزء كبير منهم أي رصيد سياسي أو إيديولوجي أو حتى على الصعيد الجمعياتي».
ويضيف في تصريح خاص ل«القدس العربي»: «من المؤسف أن خطاب العديد من النواب يتسم بنوع من العدوانية والكراهية للآخرين، وكذلك عدم الالتزام بالتحفظ واحترام «المقامات» السياسية والفكرية والاجتماعية وهذا يضر بالتجربة التي نعيشها حالياً. والأمر الأخطر هو دور المال السياسي في إفساد أداء وسلوك بعض النواب، كذلك لا بد من التأكيد بأن 11 في المئة من النواب هم من رجال الأعمال وهي ظاهرة جديدة في الحياة السياسية في تونس، وقد يؤثر ذلك على سلوكهم كنواب بشكل أو بآخر، ولكن التأثير الأكبر هو أن عدداً هاماً من رجال الأعمال – على اختلاف أنواعهم ومستوياتهم – أصبحوا طرفا في اللعبة السياسية في تونس، وهو ما دفعهم ل«كسب» بعض النواب وهذا أمر واضح جداً في بعض الأحزاب السياسية وخاصة في كتلة «نداء تونس» وبعض الكتل الأخرى، وهو أمر خطير على مستقبل الديمقراطية في تونس».
ويستعد البرلمان التونسي لعقد جلسة خاصة سيناقش فيها كيفية تعديل نظامه الداخلي لإدراج فصل جديد خاص بأخلاقيات وسلوك النائب داخل البرلمان ضمن ما يعرف ب «مدونة سلوك النواب»، حيث سيلتزم النائب بتمثيل مصالح الشعب والدفاع عنها، واحترام بقية الأعضاء، والابتعاد عن التحريض وإثارة الفتنة والإساءة إلى الدولة ورموزها.
ويقول رياض الشعيبي رئيس حزب «البناء الوطني»: «المشكلة أن المعارضة ضعيفة جداً داخل البرلمان وغير قادرة على فرض حد أدنى من التوازن لذلك تجد نفسها ضعيفة ومعزولة وغير قادرة على الفعل»، مشيراً إلى أن «حالة التوتر السياسية وحالة الإحساس بالغبن والضعف الذي تحسه المعارضة ربما هو الذي يدفعها لرفع صوتها بالنقد بشكل يبدو أحياناً جارحاً لبعض الأشخاص أو يمس من بعض المؤسسات، وربما لو كان هناك نوع من التوازن في الحد الأدنى داخل في البرلمان والحياة السياسية كنا سنشهد خطابا سياسيا أكثر رصانة وعقلانية».
لكنه يؤكد، في المقابل، أن عدداً كبيراً من أعضاء البرلمان التونسي «جاؤوا بالصدفة للمشهد السياسي ولذلك هم لا يمتلكون الثقافة السياسية الضرورية للقيام بدورهم باعتبارهم نواباً للشعب التونسي في أعلى مؤسسة دستورية موجودة حاليا في البلاد، لذلك لا نتفاجأ من هذا الأداء الضعيف للمجلس الذي تحول في جزء كبير منه إلى شاهد زور، كما أن بعض أعضائه شركاء – للأسف – في بعض الجرائم السياسية التي تحصل في البلاد في هذه المرحلة».
وتقول لمياء الخميري الناطقة باسم «حراك تونس الإرادة»: «نحن في نظام ديمقراطي ويفترض أن يكون أن يكون هناك خطاب سياسي راقٍ، وخاصة بالنسبة للمسؤولين الذين حظيوا بثقة الشعب التونسي، ولكننا للأسف نلاحظ أن هناك تدنياً كبيراً في الخطاب السياسي سواء من قبل السلطة أو المعارضة، رغم أن المسؤول (النائب) عندما يصل لمكان معين إثر نيله لثقة الناخبين، عليه أن يرتفع في مستوى خطابه السياسي وأن ينتقي ألفاظه بعناية وأن يكون قدوة لغيره، وعندما تُفتح أمامه المنابر الإعلامية والسياسية يجب أن يبعث رسائل إيجابية للآخرين، طبعاً هذا لا يعني أن تمتنع عن الانتقاد وتضع إصبعك على الخطأ ولكن أن الطريقة الجيدة والمناسبة لذلك».
وتضيف ل«القدس العربي»: «في تونس – للأسف – ثم ظاهرة عامة تتجلى في تدني الخطاب السياسي عموما وهو ما خلق نوعا من العزوف أو النفور من السياسيين من قبل التونسيين، وخاصة أن ثمة ألفاظاً متدنية أخلاقيا وفكريا لا نحبذ سماعها في الشارع، ولكنك تسمعها أحيانا في المنابر الإعلامية والسياسية وداخل البرلمان».
وتتابع الخميري: «هذه المشكلة (الخطاب السياسي المتدني) لا تمس جهة بعينها بل الجميع عموما، فعندما كنا في الحكم اكتوينا بهذا الخطاب، كما أننا عانينا مؤخراً من هذا الخطاب المتدني الموجه ضدنا وخاصة بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها مدينة «تطاوين»، رغم أننا طالبنا مراراً من لديه أي إثباتات ضدنا أن يقدمها للقضاء ويبتعد عن هذا الخطاب الذي لا يخدم السير نحو البناء الديمقراطي وتأسيس الجمهورية الثانية، فالمستوى الأخلاقي مطلوب في كل المجالات، وهذا ما دفعنا مؤخراً في حزب تونس الإرادة إلى رفع شعار «أخلقة السياسة، حيث أننا في مؤتمرنا الانتخابي الأخير أعددنا وثيقة داخلية بعنوان «ميثاق أخلاقي»، وهذه الوثيقة تُمضى من طرف كل منخرطي الحزب (قيادات وقواعد)، والغاية هي محاولة رفع المستوى الأخلاقي وكي لا تكون السياسة في تونس مصدر نفور وعزوف لدى المواطن التونسي».

m2pack.biz