تقرير داخلي أوروبي يرسم صورة متشائمة للوضع الأمني في ليبيا
لندن – «القدس العربي»: أقر تقرير داخلي أعدته بعثة «يوبام» لإدارة الحدود في ليبيا، بصعوبة إرساء الاتحاد الأوروبي في هذه المرحلة تعاوناً عمليّاً مع ليبيا، في مجال دعم آلية ضبط الحدود وتعزيز قدرات الأجهزة الأمنية والقضائية في البلاد. وبعثة «يوبام» هي الفريق الأمني الذي خطط الاتحاد الأوروبي لنشره في ليبيا منذ أكثر من عامين، لكن دون أن يتمكن من ذلك لأسباب أمنية، واضطر المشرفون عليه للجوء إلى التمركز في تونس.
وجاء نشر التقرير الموجه إلى خدمة العمل الخارجي، الذي تشرف عليه الإيطالية، فيديريكا موغيريني، في بروكسل، في وقت تتصاعد فيه التساؤلات بشأن مصداقية خيار الاتحاد الأوروبي المتبع حتى الآن في معاينة الأزمة الليبية، وفي تحديد مخاطبيه على الأرض وفي مجال إدارة معضلة الهجرة، وهي مثار الاهتمام الأول في بروكسل.
وأعلن الاتحاد الأوروبي بداية العام الجاري تخصيص مبلغ 200 مليون يورو لمساعدة ليبيا على مواجهة الإشكاليات الأمنية، وانهيار مستوى معيشة السكان، ولكن المصادر الأوروبية تردد أنها لا تمتلك خطة عملية عن كيفية التصرف في هذه الأموال بسبب غياب مخاطب ليبي قادر على إدارة أي خطة أو مشروع محدد حاليّاً.
ويقول الأوروبيون الذين تمسكوا منذ زهاء عام بموقف داعم للمجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج على حساب جميع الأجسام الأخرى إنهم يواجهون صعوبة حاليّاً في تنفيذ أي تحرك لمساعدة هذا المجلس. ويعاني المجلس الرئاسي، وفق الدبلوماسيين، محدودية قدرته على التحرك وغياب هامش سياسي له في البلاد وافتقاد قاعدة عسكرية قوية يستند إليها.
ويقول التقرير الأوروبي محدود التداول إن الوضع الليبي تتحكم فيه أطراف متجاذبة ومتصارعة ولا يمتلك الأجهزة الأمنية والقضائية والإدارية والجمركية التي ترقى إلى مثل هذا التعريف. وتحدث التقرير عن انتشار 1500 ميليشيا على الأقل في ليبيا، وعن سيطرة المليشيات على غالبية الأجهزة الأمنية في طرابلس، وعن غياب نظام قضائي يمتلك صلاحيات، وإلى افتقاره جهاز مخابرات يعمل.
ويقول التقرير أيضاً إن وزارة الداخلية في ليبيا تسيطر عليها ميليشيات بتوجهات دينية متطرفة وإن وزارة الدفاع لا تمتلك أي سيطرة على القوات المسلحة وهيمنة الميليشيات على عمليات تهريب البشر.
وهذه هي المرة الأولى التي يقر فيها خبراء الاتحاد الأوروبي بوصول الأوضاع في ليبيا إلى هذا المستوى من التراجع وصعوبة تعامل البعثات الأمنية وخبراء الهجرة والمختصين في تأهيل مختلف الأجهزة مع الأطراف الليبية المتصارعة. ويرى خبراء الاتحاد أن مختلف عناصر الشرطة في طرابلس نفسها تنتمي إلى تنظيمات مسلحة تمت شرعنتها.
ويمس هذا التأكيد الهواجس المسجلة لدى العديد من الأطراف الأوروبية بشأن انتماءات العناصر التي يجري التخطيط لتأهيلها سواء من «ناتو» أو الاتحاد الأوروبي وعدم اليقين من الجهة الفعلية التي تبدي الولاء لها في نهاية المطاف.
وأوصى التقرير الأوروبي، بشكل صريح، بأنه لا يمكن التعامل سوى مع أطراف تمتلك شرعية فعلية وقابلة للمحاسبة والحصول على أدنى المعايير والضوابط للإدارة العامة. واعتبر أنه من الضروري التعامل مع سلطات شرعية تمتلك سيطرة على مختلف مؤسسات البلاد.
ويعتبر السماح بتسريب التقرير الداخلي حول ليبيا من قبل خدمة العمل الخارجي في بروكسل بمثابة مؤشر على وجود توجه لمراجعة خيارات الاتحاد الأوروبي لعدة عوامل، وأهمها دون شك الاستعداد لتغيير محتمل في موقف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب اتجاه المسألة الليبية، وكذلك تحسبًا لما ستسفر عنه الاتصالات المصرية الجزائرية – التونسية وكذلك بداية لتقييم التقارب بين روسيا وشرق البلا، الذي بات للمرة الأولى رسميًّا يطول قطاع النفط.
كما أن المراقبين يسجلون أن بعثة الأمم المتحدة في ليبيا نفسها باتت تعكس مواقف تحذر من انهيار الوضع الليبي، خاصة معيشة السكان في غرب البلاد وصعوبة التوصل إلى تفاهمات للخروج من الأزمة بسبب تعنت الميليشيات.