حالة لبنان الغريبة وتراجع الحريري عن استقالته مفتاحان لفهم سياسة ماكرون الخارجية
لندن – «القدس العربي»: كتبت أنابيل تيمست، المحررة في مجلة «أتلانتك» عن الدور الذي لعبه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الملحمة الغريبة التي شهدها لبنان الشهر الماضي والتي تجعل من تفاصيلها موضوعاً لسلسلة تلفزيونية: فشخوصها الغريبة هم الامير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، وحملة تطهير داخلية في السعودية واعتقالات لأمراء ورجال أعمال في فندق ريتز كارلتون، ورئيس وزراء لبنان، سعد الحريري الذي قدم استقالته عبر قناة سعودية ورئيس لبنان الماروني، ميشال عون الذي قال إن رئيس وزرائه معتقل في السعودية.
وفي تفاصيل المسلسل عودة الحريري إلى باريس بتدخل الرئيس ماكرون ومن ثم إلى بيروت حيث أعلن رسمياً عن سحبه لاستقالته مطالباً الجميع النأي بلبنان عن المشاكل العربية. الكاتبة تعتقد أن الحريري مدين بعودته واستمراره في الحكم لماكرون، فهو الذي أقنع ابن سلمان على ترك الحريري ليغادر الرياض منهياً بذلك مواجهة استمرت ثلاثة أسابيع بين السعودية وإيران ولبنان.
وتشير الكاتبة إلى أن قرار ماكرون التدخل في الأزمة أثار دهشة الكثيرين. ففرنسا لم تعد قوة عظمى بالمنطقة كما كانت بعد الحرب العالمية الأولى. إلا ان التدخل متجذر في المصالح الفرنسية في لبنان. فهذا البلد كان تحت الحماية الفرنسية في الفترة ما بين 1920 – 1944 ويحتفظ البلدان بعلاقات اقتصادية وثقافية وسياسية. وتعد الفرنسية اللغة الثانية بعد العربية.
ولدى فرنسا قاعدة عسكرية فيه و900 جندي فرنسي ضمن قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وتعد فرنسا من أكبر الشركاء التجاريين للبنان وهو من أكبر المستفيدين من الدعم الأجنبي الفرنسي. ولبنان هو شريك حيوي في أزمة اللاجئين وقتال تنظيم «الدولة». وهذه أسباب مهمة تدفع ماكرون للاستثمار في استقرار لبنان.
وبالنسبة للحريري فدعم ماكرون له مهم ويعطي حكومته الضعيفة طوق النجاة والحياة. فهي تعاني من عجز في الميزانية وتدفق غير مسبوق للاجئين من سوريا التي تعيش حرباً أهلية. وأثار الوضع الاقتصادي اللبناني المحللين الذين قاسوه بحالة اليوم عام 2009 مع بداية أزمة منطقة اليورو.
ووعد الرئيس الفرنسي في أيلول/سبتمبر الرئيس اللبناني عون بعقد مؤتمرين دوليين، واحد لدعم الجيش اللبناني والثاني لجذب المستثمرين المحتملين. وتعهد بالحفاظ على الدعم العسكري الفرنسي للجيش اللبناني (100 مليون يورو) وهو ما قام به الرئيس السابق فرنسوا هولاند. وباختصار يمنح الدعم الذي قدمه ماكرون الحريري الشرعية في الداخل والخارج في وقت تحول فيه بلده لساحة حرب بالوكالة بين السعودية وإيران.
ماذا يحصل ماكرون مقابل هذه الخدمات؟ تقول الكاتبة إن الجواب غير واضح، ولكن ما فعله الرئيس الفرنسي مهم لفهم السياسة الخارجية الفرنسية في الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا. وتشير لما كتبه حكيم القروي الخبير في معهد مونتان بباريس وناقش إن على فرنسا أن تستعيد دورها التأريخي «كقوة استقرار» في منطقة الشرق الأوسط وتعمل على الوساطة في النزاعات الجارية فيه كما فعلت في الماضي. وأكد قائلاً إن «ماكرون فهم هذا».
وعن استقالة الحريري المفاجئة في الرياض، قال القروي «قبل سنوات لم تكن فرنسا لتسمح بهذا». ويضيف إن مساعدة الحريري والتوسط بينه وبين السعوديين واللبنانيين والإيرانيين لأن ماكرون يستفيد من التراجع الأمريكي ودبلوماسية واشنطن بالمنطقة. ولم يرشح ترامب بعد سفراء في كل من السعودية أو لبنان. ويعلق القروي إن «مساحة فتحت بسبب الغياب الأمريكي».
وما يبقى هي الخطة التي يريد ماكرون تطبيقها. وقد أعطى عدداً من التلميحات في مؤتمراته الصحافية الشهر الماضي. وقال إن فرنسا ستركز على «بناء السلام» «وتجنب التدخل في الخلافات الوطنية والإقليمية أو دعم طرف على آخر». حيث «تريد الكثير من القوى جر الدول الغربية للمعارضة المتزايدة بين السنة والشيعة»
ولكن لا نعرف كيف سيحول أمانيه إلى لاعب رئيسي في الشرق الأوسط، خاصة أن نسخته من السياسة الخارجية تقوم على تجنب التدخل في المعارك الطائفية أو حتى كيف سيقنع القوى في الشرق الأوسط الترحيب ببلاده كلاعب بالمنطقة. وترى الكاتبة أن سجل فرنسا بالمنطقة ليس جيدا ووعد الرؤساء قبله (خاصة نيكولاي ساركوزي) الكثير ولكنه فشل في تحقيق ما وعد، وهنا السؤال ما الذي يجعل ماكرون قادراً على تحقيق ما لم يحققه سابقوه؟
وبعيداً عن هذا فإن عائلة الحريري لا تعتبر الشريك المناسب لماكرون، فعلاقتها مع المؤسسة الفرنسية اتسمت باتهامات الفساد والتأثير في السياسة منذ تسعينيات القرن الماضي. فقد منح والد سعد، رفيق الحريري الذي كان رجل أعمال ورئيس وزراء للبنان اغتيل عام 2005 شقتهم التي يقدر ثمنها 4.4 مليون يورو إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك وزوجته للإقامة بها بشكل مؤقت بعد نهاية حكمه ولا يزال فيها.
وكشفت صحف فرنسية مثل ليبراسيون ولوفيجارو عن أن بعض سياسات شيراك من لبنان تأثرت بعلاقته مع عائلة الحريري. ونفى الرجلان أي تجاوزات.
ويحاول ماكرون إظهار أنه مختلف وأنه ينتمي لجيل شاب ليس مشوهاً بالفضائح السابقة. ولكنه سيجد صعوبة في التخلص من الماضي وتقديم حريري جديد على الساحة الفرنسية. ولكن ماكرون يواجه فضيحة مع الحريري. فبعد إفلاس شركة سعودي أوجيه، في تموز/ يوليو أدت لفقدان الكثيرين وظائفهم ومنهم 240 فرنسياً ويطالبون ب 20 مليون يورو تعويضات. وعندما سئل عن الموضوع قال الحريري إنهم سيحصلون على التعويضات في الوقت الذي ستدفع له السعودية.
ولكن كلامه لا يقنع كارولين واسرمان التي تمثل 85 من موظفي سعودي أوجيه السابقين حيث قالت: «موقف الحريري غير مسؤول.. فلو دفع له السعوديون فليس متوقعاً أن يدفع لموظفيه، ولا أثق به». وقالت إن الدبلوماسيين في الإيليزيه اتصلوا بها وقالوا إن ماكرون يحاول تقديم حل للموضوع خاصة أن الحريري مدين له. وتختم الكاتبة بالقول إن ماكرون حقق انتصاراً بإخراج الحريري من السعودية ولكنه سيكتشف كما اكتشف الأمريكيون من قبل أن النزاعات كثيرة للتوسط ولكن بانتصارات نادرة.