طلاب يستأنفون الدراسة في جامعة المدينة رغم الدمار ونقص الخدمات
الموصل أ ف ب: بين أبنية مدمرة جزئياً وأخرى سويت بالأرض، استأنف طلاب الكليات الانسانية في جامعة الموصل دروسهم من حيث توقفوا حين سيطر عناصر «الدولة الإسلامية» على مدينتهم، بينما يخوض عدد منهم امتحاناته في قاعات تطايرت نوافذها والكهرباء مقطوعة عنها.
ورغم أعمال التنظيف التي تشهدها كليات الجامعة المترامية على مساحة 251 هكتاراً وتتميز بتنوع اختصاصاتها التي كانت تجذب نحو 39 ألف طالب، إلا أن أبنية وكليات عدة ما زالت خارج الخدمة بانتظار إطلاق مشروع إعادة الإعمار، وفق ما يؤكد مسؤولون إداريون.
على مدخل الجامعة الرئيسي، ينتشر عناصر أمن وحراس يتولون التدقيق في هويات الطلاب وتفتيشهم الواحد تلو الآخر.
وفي الحرم الجامعي ينهمك عمال في تنظيف الحدائق والشوارع الملتفة حول الكليات وإزالة الدخان الأسود الذي صبغ الجدران. بعد توقف عن الدراسة لثلاث سنوات تقريبا، تعود الطالبة سناء نافع (21 عاماً) إلى مقاعد الجامعة لانهاء امتحانات الفصل الأول في اختصاص اللغة الإنكليزية في كلية التربية.
وتقول الفتاة العشرينية بحماسة، قبل دقائق من بدء الامتحانات: «لم يمر شهر بعد على تحررنا من غرب الموصل وعدت فورا إلى الدوام». وتضيف: «أشعر بالراحة رغم كل الدمار الذي أراه. مجرد تنشق الهواء يعني أننا سلمنا وأن الامور تعود إلى طبيعتها في الموصل».
وتستعيد الشابة التي ترتدي حجابا ازرق وثوبا أسود طويلا كيف أمضت السنوات الأخيرة.
وتوضح «في هذه الفترة كوننا بنات كنا نلازم البيت. في البدء كانت الكهرباء موجودة وتنقل وسائل الإعلام (…) وكان بإمكاني أن أستعين بالانترنت لتحميل الكتب وقراءتها. لكن بعد أشهر عدة قطع عنا الإنترنت والإعلام، وأمست فترة ظلام، يمكن للإنسان أن يستعين فقط بفكره ومخيلته حتى يتأمل ويحس بما يجري في العالم».
وتأمل سناء أن تنهي تحصيلها العلمي لتصبح مدرسة. وترى أن «تنظيم الدولة انبعث من الظلام.. ومن لحقوا به هم من لم يكن لديهم الوعي الكافي»، مشددة على أن «ديننا الإسلامي الحقيقي والتعلم هو ما نحارب به التنظيم».
وخلال سيطرتهم على المدينة، وضع عناصر «الدولة» يدهم على الجامعة التي تضم 124 مبنى. ابقوا على بعض الكليات قيد الخدمة، فيما أقفلوا بعضها الآخر.
وحسب موظف إداري، رفض الإفصاح عن اسمه، واستمر في مزاولة عمله خلال سيطرة عناصر»الدولة»، فإن «معظم الطلاب الذين ارتادوا الجامعة خلال سيطرة عناصر الدولة، كانوا من اقاربهم وافراد عائلاتهم».
وبعد بدء القوات العراقية في تشرين الأول/أكتوبر هجوماً لطرد التنظيم من المدينة، حول عناصر»الدولة» الحرم الجامعي مركز عمليات.
وتبدو ملامح الدمار والتخريب واضحة على أبنية عدة، لا سيما المكتبة المركزية التي أحرقها التنظيم قبل انسحابه.
ويقول زيد محي الدين، أحد موظفي الجامعة أثناء التقاطه صورة عبر هاتفه للمبنى الذي يلفه السواد: «قضى تنظيم الدولة على مئات الآلاف من الكتب والموسوعات القيمة والمخطوطات النادرة»، مضيفاً: «أول مرة رأيت المكتبة بهذه الحالة، وجدت نفسي أبكي من دون أن أشعر».
ويؤكد المشرف السابق على المكتبة المركزية لجامعة الموصل، محمود أبو مهند: «كان هناك ما يقارب مليون ونصف المليون كتاب داخل مكتبة الجامعة، منها كتب التداول المحدود، التي يمنع إخراجها لقيمتها النادرة كالمخطوطات والدواوين».
ورغم الصعوبات اللوجستية والمادية التي تعيق عودة الجامعة إلى سابق عهدها قبل تنظيم «الدولة»، يبدي الطلاب تفاءلهم.
ويقول أحمد شهاب أحمد (23 عاماً): «وجودنا مع اصدقائي هنا اليوم دليل على إصرارنا وعلى مقاومتنا لهذه الظروف القاهرة. نأمل أن نحقق ما في بالنا رغم كل هذه العراقيل الموجودة في طريقنا».
وفي هذا الإطار، ببين ماهر (25 عاماً) وهو طالب في اختصاص الجغرافيا، سنة ثالثة، «طالما أن هناك دوام، فلا يهم إن كانت الأبنية محروقة أو مدمرة».
واستؤنفت الدراسة والامتحانات في الاختصاصات الانسانية فقط، فيما لا تزال الكليات العلمية التي تضم العدد الاكبر من طلاب الجامعة مقفلة بقرار من وزارة التربية بحجة عدم جهوزية المختبرات بعد.
وتخطط إدارة الجامعة لاستئناف الدروس بشكل طبيعي مطلع شهر تشرين الأول/أكتوبر على أن يتم في الفترة الفاصلة عن هذا الموعد إنهاء الامتحانات وإكمال العام الدراسي من حيث توقف في العام 2014.
ووفق مدير قسم الإعمار والمشاريع في الجامعة، أسامة حمدون، فإن «أعمال التنظيف أنجزت حقيقة في كل الكليات تقريبا بجهود تطوعية من شباب المدينة، سواء أكانوا طلابا في الجامعة او في مدارس المدينة»، موضحا أنهم «خلال أربعة أشهر رفعوا آلاف الأطنان من الأنقاض ومخلفات الحرب».
ولحق الدمار الكامل ب12 مبنى بينها مقر رئاسة الجامعة فيما تتراوح نسبة الدمار بين خمسة و20 في المئة، وفق حمدون. وتصارع الجهات المختصة في الجامعة الوقت لإعادة الخدمات الرئيسية وتأهيل بعض الابنية قبل انطلاق العام الدراسي.
وحسب حمدون، الذي يتخذ من بيت جاهز مقرا له، «يشكل عامل الوقت والضائقة المادية التي تؤثر على حركة الاعمار في الجامعة، التحديين الأكبر الذين نواجههما حالياً». ورغم هذا الواقع، يكرر حمدون كما طلاب وأساتذة وموظفون، أن «إعادة فتح الجامعة هي رسالة للعالم كله».
ويقول «الموصل مدينة حضارية. لا تنظيم الدولة أو سواه سيكون قادرا على أن يكسر إرادة شعب الموصل في الحياة».