عبور دجلة معاناة يومية لأهالي الموصل المدمرة
الموصل أ ف ب: دقائق قليلة كانت تكفي ليعبر أحمد بين ضفتي نهر دجلة ويصل إلى جامعته في الموصل، شمال العراق، لكنه يقضي الآن أكثر من ساعتين ليجتاز هذه المسافة بعد الدمار الذي لحق بجسور المدينة نتيجة تسعة أشهر من المعارك لاستعهادتها من تنظيم «الدولة الإسلامية».
وعلى إثر المعارك في محافظة نينوى حيث الموصل، ثاني أكبر مدن العراق التي استعادتها القوات الحكومية من التنظيم في تموز/يوليو الماضي، بات «90٪ من الجسور السبعين» مدمرة سواء كليا أو جزئيا، على ما أوضح مروان عبد الرزاق، مسؤول العلاقات في طرق وجسور نينوى.
بعض الجسور فجرها عناصر»الدولة» بعبوات ناسفة، فيما دّمرت جسورأخرى في ضربات جوية نفذتها قوات التحالف الذي تقوده واشنطن أو طائرات حربية عراقية بهدف قطع طرق الامداد على التنظيم.
كما تعرض قسم كبير من البنى التحتية وخصوصا في الجانب الغربي من الموصل، إلى دمار شبه كامل جراء المعارك لطرد فلول تنظيم «الدولة» الذي سيطر على الموصل في حزيران/يونيو 2014.
ولم يبق من بعض جسور الموصل سوى أعمدة اسمنتية تنبثق من المياه، فيما جسور أخرى انهارت من وسطها نتيجة نسفها فيسلكها بعض المشاة منحدرين على سفحها قبل أن يتسلقوا المقلب الآخر.
زحمة خانقة
رغم مرور خمسة أشهر على استعادة السيطرة على الموصل، ما زال ملايين الأهالي يعانون الأمرين لعبور النهر الذي يقطع الموصل من الشمال إلى الجنوب، وروافده العديدة التي تتفرع في باقي أنحاء المحافظة.
وكان السكان يضطرون في فترة إلى التوجه إلى منطقة حمام العليل، على بعد 30 كليومترا جنوبا، أو حتى أبعد من ذلك إلى القيارة، للتمكن من سلوك جسر عائم أقامته القوات الحكومية لتنقل قواتها خلال المعارك.
أما الآن، وبفضل قرض من البنك الدولي والأمم المتحدة، فقد جرت أعمال ترميم مؤقتة لجسرين فيما تجري الأشغال لترميم ثلاثة جسور أخرى.
وقال عبد الرزاق إن وفدا ألمانيا وصل إلى المحافظة لتقييم الأضرار ووضع خطط لإعادة أعمار سبعة جسور في محافظة نينوى.
وبفضل هذا الفريق، بات بوسع أحمد ميسر (20 عاماً) المرور عبر طريق يؤمن له الوصول إلى جامعته.
لكن الشاب مرغم اليوم على مغادرة منزله «عند الساعة 5.30 أو 6.00» صباحا ل«يضمن الوصول إلى الجامعة في موعد بدء المحاضرات عند الثامنة «، الأمر الذي يعني رحلة تستغرق ساعتين على أقل تقدير.
أعداد غفيرة
وثمة أعداد غفيرة ممن يضطرون يومياً إلى عبور دجلة في المدينة البالغ عدد سكانها حوالي مليوني نسمة.
وتصطف على طول الجسر الذي يسلكه ميسر مئات السيارات لتشكل طابورا يمتد عدة كيلومترات، وهي ظاهرة يومية على الجسرين اللذين تم اصلاحهما بشكل مؤقت، من أصل الجسور الخمسة التي تربط طرفي المدينة.
وتقول فتحية صبحي (44 عاماً)، وهي أم لطفلين تحمل إحدهما على كتفها، مبررة عبورها الجسر مشياً، إنها «لا تملك نقودا لسيارة الأجرة للعبور إلى الجانب الثاني.
ويستغرق الأمر بها نصف ساعة على الأقل لعبور الجسر الممتد 330 مترا، ماشية وسط زحمة السيارات والدراجات النارية.
وتقول فتحية بحسرة «لا نستطيع العيش على هذا الشكل»، مضيفة «ألم يكن يجدر بالحكومة عندما جاءت (بعد طرد تنظيم الدولة الإسلامية) أن تعيد الإعمار للاهالي؟».
وأرغمت زحمة السير الخانقة يحيى أحمد، سائق التاكسي البالغ من العمر 37 عاماً، والمقيم في الجانب الشرقي من المدينة، على التوقف عن إيصال الزبائن إلى الضفة الأخرى من المدينة..
ويقول يحيى، وهو رب عائلة من ستة أطفال، «كنا في السابق نعبر من جهة إلى أخرى من غير أن نفكر في الأمر، لكننا الآن نحتاج ساعتين ونصف من اجل ذلك» ويضيف «لم أعد أعمل بالتالي الا في جانب واحد من النهر».
يوضح حسين نبيل (40 عاما) وهو مهندس يعمل في ورشة إعادة بناء جسر حديدي في قلب الموصل معروف في المدينة ب«الجسر العتيق» يعود تشييده إلى العام 1934 إبان العهد الملكي في العراق، أن «إنجاز العمل يتطلب ستة أشهر»، مشيرا إلى انه سيكون بوسع السيارات سلوكه مجددا في آب/أغسطس القادم. ما يعني ان الأمر سيتطلب عاما كاملا من تأريخ اعلان النصر و«تحرير» الموصل من سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية.
ودفع ظلم تنظيم «الدولة الإسلامية» والمعارك التي شهدتها الموصل، مئات آلاف من الأهالي إلى النزوح واللجوء إلى مخيمات عانوا فيها ظروفا قاسية قبل إعلان استعادة السيطرة على مدينتهم في تموز/يوليو الماضي.