عشائر الأردن «المعوقة للإصلاح»… تقشف وتشدد والعزف مجدداً على وتر «نعي دولة الرعاية»
عمان- «القدس العربي»: تبدو العلاقة عميقة وإن كانت غير مترابطة سياسيًا على الأقل أو ظرفياً بين دعوة رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز أبناء العشائر ضمنياً للتوقف عن إعاقة الاصلاح السياسي والمنهجية التي يفكر بها قادة الإخوان المسلمين تحديداً عندما يتعلق الأمر بقراءة ما يسمى مشروعات إعادة الهيكلة.
الفايز وهو من الناحية الرسمية زعيم واحدة من أهم القبائل الأردنية إضافة إلى وظيفته، دعا المواطنين إلى التقشف الشديد وانتقد بعبارات مباشرة ما سمّاه السلوكات الاستهلاكية للمواطن الأردني متحدثاً عن بعض مظاهر الانفاق غير المبررة مثل الهوس باقتناء السيارات والهواتف الخلوية وكذلك الهوس بتصديق تلك الروايات المضللة التي يقترحها أو يجترحها أردنيون على وسائط التواصل الاجتماعي.
جملة الفايز الأهم التي تثير التساؤل هي تلك المتعلقة ليس بمسألة التقشف تحديداً بقدر ما هي تلك المرتبطة بسيناريو مفترض جديد ينتقد البنية العشائرية. والسؤال هنا هو التالي: لِمَ يقترح فجأة رجل دولة من بنية أهم العشائر بأن الانحياز للعشائري يعوق الإصلاح السياسي في البلاد؟
قد يبدو التوقيت مهماً، فالبلاد تواجه أزمة اقتصادية ووضوح الرجل سياسياً ينتج الانطباع بأنه ليس من النوع الذي يجتهد عندما يتعلق الأمر بالنص الملِكِي أولًا والالتزام بثوابت الدولة ثانيًا، حيث لا مجال للاجتهاد أو الشخصنة عندما يتحدث رجل بمواصفات الفايز كان دومًا وطوال ال 18 سنة الماضية من أقرب الناس لمركز القرار.
وعليه قد تكون محاولة جديدة لتذكير شرائح ممتدة في المجتمع الأردني بأن الأحوال تغيرت، وبالنتيجة قد تتغير التحالفات أيضا لأن تهمة الفايز للعشائر بأنها تعوق الاصلاح هي بمثابة دعوة من داخل البينة العشائرية في صلب الدولة لإعادة تسمية وتعريف بعض الوقائع والمفاهيم والمصطلحات. بمعنى آخر يقدم الفايز قرينة جديدة متحدثاً باسم ثقله العشائري والقبلي ورئاسته للمؤسسة التي تمثل مجلس الملك على أن الفرصة لم تعد متاحة أبدا للحفاظ على ما يسميه الدكتور مروان المعشر بالنظام الرعوي في إدارة الدولة، فالخزينة هنا وفي ظل المستجدات الإقليمية والدولية لم تعد تحتمل نمط الرعاية القديم.
لا يريد فيصل الفايز أن يقولها بشكل مباشر برغم صراحته المعهودة لكنه يتحدث عما يهجس به صناع القرار في طبقة الإدارة العليا اليوم منسجماً مع مضمون الرسالة المَلِكِية التي تلقاها مؤخرا هو وأعضاء مجلس الأعيان في لقاء خاص عندما صدرت توجيهات لقيادات المجلس وبصورة مباشرة تطالب هذه القيادات بالتحدث للناس وتقديم الشروحات للأردنيين.
طبعًا يحصل ذلك بالتوازي مع تعليمات مماثلة صدرت عن رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي بوقف التسريب والتلاعب بالألفاظ والتحدث مع الجمهور مباشرة.. هنا حصرياً يمكن ملاحظة الظهور الملموس للرجل الثاني في الحكومة وخبير الاتصال والتواصل مع الجمهور الدكتور ممدوح العبادي. ويمكن ملاحظة توالي بعض الوزراء المنفرين للجمهور أو الذين يخيفون الشارع بتسريبات وتصريحات عن الأنظار بما في ذلك ركنا الطاقم الاقتصادي وزير المالية عمر ملحس ووزير التخطيط عماد فاخوري. هنا يتقدم أيضاً للتحدث مع الناس وتقديم شروحات باسم الحكومة وبجرأة وزراء أكثر من غيرهم ليس فقط لان الظروف صعبة.
ولكن لأن بعض الأرقام الوزارية أصيبت بالخمول والكسل وهي تشارك الملقي في الفترة الماضية بالصمت والتسكين قبل أن يبدأ رئيس الوزراء ومن الشهر الماضي جملة من الحوارات المندفعة المفيدة مع البرلمانيين والصناعيين وبعض الشرائح. وقبل أن يطل الناطق الرسمي وزير شؤون الاتصال الدكتور محمد مومني متصدراً مشهد الشرح كي يفهم المواطن الوضع الصعب اقتصادياً والمطلوب لتفادي الأزمة.
ويحصل كل ذلك في الوقت الذي بدأت فيه بعض مظاهر التقشف برسائل صلبة وجوهرية للجمهور فالقوات المسلحة تعلن وقف التوظيف والتجنيد حتى إشعار آخر وقد تتبعها لاحقا قوات الدرك والأمن العام ووزارة التربية والتعليم تعلن وقف جميع النقولات والبحث في خيارات استثمارية هنا وهناك بدأ يتجاوز وببطء زاحف هواجس الأمن والموقف السياسي.
يتحدث اليوم وزير الصناعة والتجارة الشاب يعرب القضاة بحماس عن تجاوز عقدة السياسة مع تركيا والبحث عن خيارات استثمارية وثمة من يضغط من رؤساء الوزارات السابقين باتجاه عدم وجود ما يمنع البحث في التنويع حتى مع إيران.
كل هذه القرائن والدلائل تقول بأن التصرف على أساس أزمة بدأ بقرار مركزي على مستوى الإدارة الأردنية وهو أمر مطلوب لمواجهة تساؤلات الشارع وملء الفراغات عبر النخب التي تدعو اليوم الناس للصبر والاحتمال في الوقت الذي لازال فيه القصور يحيط ببعض الشروحات ويتجنب الإجابة الصريحة على العديد من التساؤلات. وبالتوازي قد يكون مهماً جداً التدقيق في تلك الرسائل التي تحاول تكريس القناعة بأن الأحوال تغيرت وبأن على الجميع الانصهار في موقف موحد لمواجهة أزمة اقتصادية ومالية خانقة.
وقد شارك في موسم التحذير اليوم رئيس مجلس الأعيان فيصل الفايز وفي جملة تنسجم مع صراحته المعهودة الخالية من الرتوش والمحسنات اللفظية عندما انتقد الاستهلاك وتحدث عن دور العشيرة وبصورة تمهد بوضوح لإعادة شكل التحالفات وعمقها وبوصلتها في المجتمع وهو أمر تقرأه بوصلة مطبخ الإخوان المسلمين بوضوح خصوصًا مع قناعة القيادي النافذ في جماعة الإخوان الشيخ زكي بني ارشيد بأن مشروعات إعادة الهيكلة مثلاً محطة مهمة ستؤدي إلى قراءة جديدة وأكثر منطقية للواقع الموضوعي .
«القدس العربي» تحدثت مع زكي بني ارشيد مطولا في هذا السياق والمرونة واضحة في خطاب الإخوان المسلمين الذي لا يسعى للتأزيم ولا الصدام ويحاول إظهار أكبر قدر من الصبر والاحتمال والمسؤولية الوطنية في تجنب الاستثمار في الأزمة والعودة للعبة الشارع في ظرف حساس ودقيق تمر به البلاد.