مراقبون حزب «العدالة والتنمية» المغربي أجبر على تقديم تنازلات وسيدفع ثمنها

مراقبون : حزب «العدالة والتنمية» المغربي أجبر على تقديم تنازلات وسيدفع ثمنها

مراقبون ... حزب «العدالة والتنمية» المغربي أجبر على تقديم تنازلات وسيدفع ثمنها

الرباط – من خالد مجدوب: يرى البعض أن حزب «العدالة والتنمية» الإسلامي في المغرب انحنى بإرادته للعاصفة عبر تقديم تنازلات لتشكيل حكومته الثانية على التوالي، وأن الحزب منذ دخوله المشهد السياسي كلما تنازل عاد قوياً. لكن آخرين يذهبون إلى أن الحزب كان مجبراً على هذه التنازلات، وسيدفع ثمنها. وما بين الفريقين توجد مساحة رمادية كبيرة تحمل أسئلة عديدة تجيب عنها الشهور وربما السنوات المقبلة.
الحكومة الجديدة، التي رأت النور الأربعاء الماضي، تتألف من 39 وزيراً وكاتب دولة، بينهم 11 وزيراً من «العدالة والتنمية»، إضافة إلى رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني (61 عاماً)، و7 وزراء من التكنوقراط (مستقلين)، و7 لحزب «التجمع الوطني للأحرار« (يمين)، و5 ل»الحركة الشعبية» (يمين)، و3 ل»التقدم والاشتراكية»، و3 ل«الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» (يسار)، فضلا عن وزيرين من «الاتحاد الدستوري» (يمين).
هذه المعادلة السياسية تبدو عادية، لكن إذا علمنا أن التكنوقراط و»الأحرار» يسيطرون على الوزارات الاستراتيجية، مثل المالية والخارجية والداخلية والعدل والتجارة الخارجية، مقابل وزارات أقل أهمية ل»العدالة والتنمية»، تصبح المعادلة أعقد وأصعب على الفهم، في ظل عدم القدرة على فك شفرة اللعبة السياسية في المملكة.
«ما لا يدرك كله لا يترك جله».. ينطبق هذا المثل على «العدالة والتنمية»، خصوصاً بعدما دامت مشاورات تشكيل الحكومة أكثر من خمسة أشهر، دفع ثمنها أمين عام الحزب، رئيس الحكومة المكلف، عبد الإله بن كيران، حيث اختار العاهل المغربي، الملك محمد السادس، في 17 آذار/مارس الماضي، سعد الدين العثماني، القيادي في الحزب، بدلاً منه.
العثماني تخلى عن شروط بن كيران ما جر عليه غضب قياديين وأعضاء داخل الحزب وخارجه، بسبب التنازلات التي طبعت عمله، حيث تعرض الحزب، الذي يقود الائتلاف الحكومي، لانتقادات خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة ، أكثر مما تعرض له خلال قيادته الحكومة السابقة لنحو 5 سنوات.
هذه الانتقادات سببها تقديم العثماني تنازلات كبيرة، أبرزها قبوله إشراك حزبي «الاتحاد الاشتراكي» و»الاتحاد الدستوري» في حكومته، بعدما رفض بن كيران (رئيس الحكومة السابقة) مشاركتهم في الحكومة.
كما حصل «العدالة والتنمية»، متصدر الانتخابات ب125 مقعدا من أصل 395، على وزارات أقل أهمية من الناحية الاستراتيجية، وهي الشؤون العامة والحكامة، والوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان، التعليم العالي والبحث العلمي، والنقل، الصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي، والتنمية المستدامة).
في المقابل، ورغم حصوله على 37 مقعداً، حصد «التجمع الوطني للأحرار» على وزارات الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، والاقتصاد والمالية، والعدل، والصناعة والاستثمار والتجارة والاقتصاد الرقمي، والشباب والرياضة.
لم يصدر أي موقف رسمي حتى الآن عن «العدالة والتنمية» تجاه حكومة العثماني، رغم أن للحزب 12 وزيراً، بينهم رئيس الحكومة. ووفق وسائل إعلام محلية، أرسل العثماني وسيطاً إلى أمين عام «العدالة والتنمية»، بن كيران، يطلب منه دعم الحزب للحكومة، عبر عقد اجتماع للأمانة العامة للحزب (يرأسها بن كيران ويشغل العثماني عضويتها)، وإصدار بيان دعم، لكن بن كيران رفض.
إحدى نقاط قوة «العدالة والتنمية» هو تماسك الحزب داخليا، لكن خلال الأسابيع القليلة الماضية كان موقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك» مسرحاً لمواجهات بين قيادات في الحزب تحمل وجهات نظر متضاربة.
في تدوينة لها، انتقدت القيادية والبرلمانية عن الحزب، «أمينة ماء العينين» الحكومة، قائلة: «استمعت إلى تصريح الدكتور سعد الدين العثماني بعد التعيين، حيث قال: هذه الحكومة تمثل الأغلبية، فهي تعكس الإرادة العامة. عذراً الأخ سعد الدين، الحكومة التي تترأسها لا تعكس الإرادة العامة.. المغاربة يعلمون ذلك، ومناضلو الحزب يعلمون ذلك، وأنا واثقة أنك أيضاً تعلم ذلك علم اليقين». الأكثر من ذلك، أن أعضاء في الحزب دعوا إلى تنظيم لقاء استثنائي ل»المجلس الوطني» للحزب (برلمان الحزب) للتداول بشأن مستجدات تشكيل الحكومة. وهو ما رد عليه محمد يتيم، القيادي في الحزب، وزير الشغل، بتدوينة قال فيها: «على العقلاء من أبناء الحزب أن لا ينجروا وراء انفعالات اللحظة، وينتظروا اكتمال المعطيات وتوضيحها والقيام بالتقييم وفق شروطه المؤسساتية».
وزاد بأن «توجهات الحزب وتقييماته وقراراته لا تتم من خلال الحيطان (مواقع التواصل الاجتماعي) والافتتاحيات والمقالات، بل لها قواعد وتقاليد أساسها الأول استكمال المعطيات والاستماع إلى المعنى الأول وداخل الموسسات المخولة لذلك». واعتبر أنه «من غير المنصف أن يقول البعض إن الدكتور سعد الدين العثماني، واللجنة التي فوضتها الأمانة العامة (للحزب) لمواكبته في مفاوضات تشكيل الحكومة، قد استفردوا بالقرار». فيما اكتفى عضو الأمانة العامة للحزب، خالد الرحموني، بجملة واحدة على «فيسبوك»: «إعادة انتشار السلطوية».
وعامة، يرى أعضاء في «العدالة والتنمية» أن حزبهم هو الخاسر الأكبر في تشكيلة الحكومة، بينما الفائز الأكبر هم التكنوقراط و«التجمع الوطني للأحرار».
المؤشرات الداخلية والخارجية تفيد بأن أحزاباً وجهات لا تريد لتجربة الإسلاميين أن تستمر في المغرب. داخلياً، وقبل انتخابات 7 تشرين أول / أكتوبر الماضي، انتقد «العدالة والتنمية» بعض أعوان السلطة (تابعين لوزارة الداخلية)، متهما إياهم بدعوة الناخبين إلى عدم التصويت للحزب. وبحسب صحف محلية، فإن بن كيران اعترض على تعيين عبد الوافي لفتيت وزيراً للداخلية، لكنه تولى بالفعل أقوى وزارة في المملكة.
وسبق أن لجأ مستشارو «العدالة والتنمية» إلى القضاء عندما تعرض «لفتيت»، حين كان محافظاً للعاصمة الرباط، لبعض مشروعاتهم، وبالفعل أنصفهم القضاء. ويرى مراقبون أن رسالة تعيين «لفتيت» وزيراً للداخلية هو استهداف «العدالة والتنمية»، خاصة أن صلاحيات الوزارة كبيرة، حيث تشرف على البلديات.
خارجيا، فإن وصول دونالد ترامب إلى رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية مع توجهاته المناهضة للإسلاميين، وصعود اليمين المتطرف إلى الواجهة في أوروبا، وتداعيات ثورات «الربيع العربي»، كلها عوامل صعبت من مهمة الإسلاميين في المغرب.
في ظل هذه المعطيات، وبعد تصدر «العدالة والتنمية» للانتخابات البرلمانية، صعبت مطالب بعض الأحزاب من مهمة بن كيران لتشكيل الحكومة؛ ما أخرجه من المعادلة السياسية، بعد أن أعفاه الملك، وعين العثماني. ومع التنازلات التي تلت بن كيران، يتساءل كثيرون إن كانت مجرد انحناء مقصود للعاصفة وتكتيكاً سياسياً لمواجهة محاولة إقصاء «العدالة والتنمية» من الحكم مع تصاعد شعبيته، أم أن التحولات الداخلية والخارجية أجبرت الحزب على تلك التنازلات، ما يهدد مستقبله.
شخصية العثماني والحصيلة السياسية للحكومة، وحصيلة الحزب في تدبير المدن، لاسيما وأنه يدبر أغلب مدن المملكة، هو ما سيحدد مستقبل «اللعدالة والتنمية»، الذي شكل الحكومة للمرة الثانية على التوالي.
طريق الإسلاميين في المغرب لن يكون معبداً، خاصة وأن الكلفة السياسية لهذه الحكومة ستوضع في الميزان. وستُرجح كفة الإسلاميين إن نجح الحزب في تدبير المرحلة الحساسة الراهنة، لاسيما وأن الظروف الداخلية والخارجية ليست في صالحه. ومنذ دخوله المشهد السياسي، دخل «العدالة والتنمية» لعبة التنازلات، وكلما تنازل صار أقوى ولو بعد حين.
في 2003 مثلاً قلص الحزب، وبإيعاز من وزارة الداخلية، عدد مرشحيه في الانتخابات البلدية إلى النصف، وبعد 12 عاماً فاز بأغلب المدن، خصوصا الكبرى منها. فهل يدفع «العدالة والتنمية» من قوته ثمن التنازلات التي قدمها لتشكيل حكومته الحالية بعد قرابة ستة أشهر من الانتخابات، أم يعود الحزب كعادته قويا بعد فترة ؟.«الأناضول»

m2pack.biz