5 أسباب تدفع الكتّاب المصريين للنشر خارج المحروسة
القاهرة أحمد مجدي همام: شهد العامان الأخيران ظاهرة آخذة في التزايد، تتمثل في توجّه الكاتب المصري، إلى النشر في دور نشر عربية خارج مصر، كأولوية على النشر لدى ناشر داخل البلاد.
استضافة الناشر العربي للكاتب المصري، مسألة قديمة، تعود ربما إلى الفترة التي نشر فيها نجيب محفوظ روايته «أولاد حارتنا» في دار الآداب البيروتية، بعد أن مُنِعت من النشر في مصر إبان حكم الرئيس جمال عبد الناصر. بعد ذلك توالى نشر الأعمال المصرية لدى الناشرين العرب، وعلى رأسهم الناشر اللبناني، وقد أنتج ذلك الثنائي المصري اللبناني مقولة من نوعية (القاهرة تؤلف، بيروت تطبع، بغداد تقرأ)، أو دمشق، أو الخرطوم أو القدس أو الكويت، يبقى للواحد حرية استبدال المدينة الأخيرة، إلا أنه ملزم بالتشبّث بالقاهرة المؤلفة وبيروت الناشرة.
أعقبت ذلك فترة انكماش في التعسينيات، تزامنت مع بداية ظهور الناشر المصري الخاص، دور مثل شرقيات، ميريت، والعين، وغيرها، ممن استطاعوا فتح سوق نشر مصرية مكتفية بذاتها. إلا أن الفترة الأخيرة شهدت عودة الكاتب المصري للنشر خارج القاهرة، في ظاهرة تبدو لافتة، لا سيّما في ظل توفّر السوق المصرية على دور نشر عديدة، بعضها رسّخ لنفسه اسماً لدى القارئ العربي مثل، العين والمصرية اللبنانية والشروق وميريت. فيما تحاول دور نشر مصرية شابّة مزاحمة هؤلاء، مثل الكتب خان، روافد، الكرمة وغيرها. عن ظاهرة النشر خارج القاهرة، التقت «القدس العربي» مجموعة من الروائيين المصريين لمعرفة أسباب الابتعاد عن الناشر المحلّي.
مأساة التوزيع
بالشراكة بين منشور الاختلاف (الجزائر) ودار ضفاف (لبنان) صدرت رواية «معبد أنامل الحرير» لإبراهيم فرغلي. واختيرت ضمنالقائمة الطويلة للدورة الحالية من الجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر). وحول اختياره للنشر مع الدارين سالفي الذكر يقول فرغلي: «أظن أن حلم أي كاتب أن ينتشر كتابه إلى أوسع مدى ممكن، خصوصا في مجتمعاتنا التي تحتاج لمئات وربما آلاف من منافذ الكتب لكي تصل الكتب للقراء. وربما في مناخ كهذا يتصور الكاتب أن الناشر سيقوم بدوره الخاص بتوفير الكتاب للقارئ في كل مكان داخل مصر وخارجها. لكن للأسف هذا ليس وارداً، على الأقل من خلال تجربتي مع النشر في مصر»، ويواصل فرغلي: «شخصياً من خلال وجودي في المنطقة العربية أشعر بظلم الكتاب خارج مصر، فباستثناء كتب دور النشر المصرية الكبرى، لا يمكن أن تجد كتاباً أو رواية لأي كاتب مصري، إلا إذا كان قد نشر لدى دار نشر عربية. وفي المقابل طبعاً يمكنك أن تجد كافة أسماء الكتاب العرب من السعودية والعراق والجزائر والخليج ولبنان، لكن الكاتب المصري لا تجد كتبه. وحتى دور النشر المصرية التي تتصور أنها بمشاركتها في المعارض تسافر بكتبها خارج مصر، لا تجد كتبها في المكتبات بعد انتهاء المعارض.. لهذا طبعاً فكرت أن أجرب أكثر من دار نشر، لكي توجد كتبي في منافذ مختلفة، وفكرت طبعاً في البحث عن ناشرين يجيدون تسويق الكتب وفتح المنافذ لها. نشرت روايتي لدى دار نشر جزائرية بالاشتراك مع دار لبنانية، ونشرت كتاب رحلات مع ناشر كويتي، على أمل توسيع دائرة حركة كتبي نسبياً».
القاصة والروائية غادة العبسي، تشاطر فرغلي الرأي، في ما يتعلّق بمسألة التوزيع والانتشار، تقول الكاتبة التي سبق لها أن أصدرت المجموعة القصصية «أولاد الحور» ضمن إصدارات وزارة الثقافة المصرية: «ربما كان هدفي الأساسي وراء نشر روايتي الأولى «الفيشاوي» لدى دار الساقي اللبنانية هو التوزيع، الذي يشمل كل أنحاء الوطن العربي، إضافةً إلى العاصمة لندن التي تأسست فيها أقدم وأكبر مكتبة عربية تحمل اسم (الساقي)، غير أنها واحدة من أهم دور النشر القليلة التي تعنى بالمحتوى والقيمة وتقوم بإخراج العمل في أفضل صورة. أرى أن مهمة الكاتب تنتهي بعد إنجاز العمل الأدبي، وهنا يعطي التوزيعُ الجيد الفرصة للمؤلف لكي يركز على مشروعه الكتابي ولا ينشغل بالترويج لأعماله. لذلك فانضمامي لقائمة مؤلفي دار الساقي منحني فخراً كبيراً، خاصةً عندما حظيت روايتي بقراءة استغرقَت أكثر من شهرين في هيئة تحرير مدققة للغاية، وشعرتُ بأن كتابي يُعامَل بوصفه منتجا أدبيا وليس سلعة، وأن التحمس لنشره نابع من الاقتناع بالقيمة التي يقدمها بالأساس».
شريك في النص
عن دار الآداب البيروتية، أصدر الروائي الشاب أحمد شوقي علي، عمله الثاني، وروايته الأولى «حكايات الحسن والحزن»، الرواية صدرت في 2015. وعن التعاون مع دار الآداب يقول شوقي: «للنشر خارج القاهرة قصة؛ عندما انتهيت من الرواية دفعت بها إلى عدّة أصدقاء، كان من بينهم الروائي السوداني حمّور زيادة، ولما انتهى منها أخبرني أن روايتي تستحق أن تطرح للقراءة بشكل أوسع من خلال دار ذات مقروئية كبيرة، وهكذا أُرسلتَ مخطوطة «حكايات الحسن والحزن» إلى دار الآداب، ولم تكن لديّ أي مطامع حول النشر فيها، فقط قلت لنفسي لماذا لا نجرب! بعد مرور ثلاثة أشهر ونصف الشهر، وصلني من دار الآداب تقرير نقدي أعدته لجنة قراءتها حول الرواية، كان في غاية الاحترافية. وفي مصر النصوص الإبداعية كلها مجرد «عناوين» في ملف «إيكسيل» لدى الناشر، لا أكثر! بينما هذا التقرير المرسل من دار الآداب يقول العكس، وبالمناسبة فإن «الآداب» هي الناشر الوحيد في لبنان الذي يعد ذلك التقرير ويرسله للمؤلف، وذلك يعني أن عملي وقع بين يدي ناشر محترف، يعي بدقة ما هو العمل المقدم إليه، بل ويقدم أيضًا- اقتراحات حول تجويده، ولست في حاجة لأن أشير لعراقة الدار. أضف لذلك أن شروط العقد كلها منصفة للمؤلف، لكن تبقى هناك عقبة وحيدة أتخيلها قد تنغص على المبدع الذي ينشر في لبنان، أو لدى أي ناشر آخر خارج بلده، وهي صعوبة التواصل مقارنة بما يكون عليه الأمر لو كان الناشر مصريًا».
المال مقابل النشر
باتت مطالبة الناشر لكاتبه بالمساهمة المادية في طباعة الكتابة اتجاهاً سائداً عند معظم الناشرين المصريين، وبالقطع فإن هذا التجاشع، من قِبل الناشر، أدى إلى تفضيل الكتّاب النشر عند الناشر العربي، الذي لا يطلب مساهمة مادية من أي نوع، بل ويزيد على ذلك أن يمنح الكاتب نسبة من مبيعات كتبه. تقول الكاتبة غادة العبسي: «تجربتي الأولى في النشر لدى إحدى الدور المصرية الخاصة سيئة للغاية، وتبقى المشكلة أن العديد منها يشترط على الكاتب دفع مبلغ مقابل نشر كتابه، وغالباً ما يكون مبالغاً فيه، بل يتطور الأمر كثيراً إلى الاحتيال.. ليست هناك قراءة جادة للأعمال ولا ضوابط ولا معايير نقديّة لتصنيف الأجناس الأدبية، فكانت النتيجة ما وصل إليه الوسط الثقافي من حالة الفوضى، وللأسف يتعرض المعارضون لتلك الفوضى ممن يقدمون توصيات بضرورة الرقابة على الكتب إلى الانتقاد الشديد بدعوى محاربة حرية الرأي».
ناشر أم نخّاس؟
يضاف لكل العوامل السابقة، عامل مهم جداً، يتمثل في طبيعة العلاقة بين الكاتب والناشر، التي من المفترض أن يسودها الاحترام المتبادل، خاصة أن الطرفين يمثلان حلقتين في سلسلة صناعة الكتاب، لكن للأسف يبدو أن الأمور لا تسير كذلك في كثير من الأحيان، يقول إبراهيم فرغلي: «أنا أعتقد أن النشر مع دور النشر المصرية الخاصة، ليس فقط تجربة مؤلمة، بل مهينة. تعاملت مع ثلاث دور نشر ولا أعتقد أن الاختلاف كبير. ولهذا أود أن أكون صريحا جداً، فمثلا يُطبع الكتاب، بعد انتظار طويل، فيقال إنه طبع منه 500 نسخة! ولا يوجد في أي مكان، أو يطبع من كتاب طبعة وتنتهي في عام ثم تستمر الطبعة التالية سنوات طويلة، أما الكلام مع الناشر عن المخزون فليس من حقك أن تعرف عدد النسخ المطبوعة ولا المباعة، وأن تنصت فقط لما يتفضل عليك الناشر به من أخبار كتابك البائس. أما العقود فهي عقود إذعان ليس فيها أي حقوق من أي نوع. نسبة من توزيع الكتاب على أقصى تقدير».
شرفة جديدة
وبعيداً عن كل ذلك، يجد بعض الكتّاب المصريين النشر في الخارج، فرصة جيّدة لتغيير الزوايا التي يطلّون منها على القرّاء، وهذا ما ذهب إليه الروائي وجدي الكومي، الذي ينشر أغلب أعماله مع دار (الشروق)، إلا ان ذلك لم يمنعه من اختيار (الساقي) لنشر روايته «خنادق العذراوات». يفسّر الكومي اختياراته: «كنت أطرح نفسى عربياً، أحببت فقط أن أرى كيف يتعامل الناشر العربي مع هذه الكتابة التي أعمل عليها، كانت مغامرة تستحق ونجحت الحمد لله، وأنا ضد مقولة إن الكاتب يجب أن يجمع أعماله فى مكان واحد، أظن أن انتشار الكاتب يتحقق بالنشر في أكثر من نافذة، وحسبما أعرف، فالساقي لديها وكيل أدبي ناجح، يستطيع الانفتاح على الناشرين الأجانب، لتنشيط تبادل الحقوق، والترجمة، وهو ما يجتهد في عمله الناشرون المصريون أيضا، لكن بقدر أقل حسبما أظن، ولست متأكدا من ذلك، أمر آخر يتعلق بسعر الكتاب، لمسته في الساقي والكتاب اللبناني عموما أن تسعيره مرتفع بالنسبة لسوق الكتاب المصري، لكن الأصدقاء في دار الساقي تفهموا هذا الأمر وتباحثنا على طرح الرواية في مصر فقط بسعر يناسب سوق الكتاب هنا».