الفصل 1من اصل2

 

فقره1
فقره1

هناك ارتباط طويل وتاريخي بين الفصل والقرب والقيادة. على سبيل المثال: لنتأمل “اللمسة البسيطة من هاري في جنح الليل” التي طمأنت الجيش الإنجليزي عشية معركة أجينكورت في مسرحية شكسبير “هنري الخامس”: وهذا يعد أمرًا مهمٍّا لأنه نادرًا ما يقترب الأتباع من القادة، ناهيك عن لمسهم. بالطبع، يستمد الملوك شرعية حكمهم عادةً من صلتهم بالإله، ومن ثم فهم مسئولون أمام الإله فقط، ومن ثم افتراض أن لمستهم مقدسة تترتب منطقيٍّا على افتراض أن كيانهم ككل مقدس. يجب حماية هذه الاختلافات- الفصل بين المدنس والمقدس- من خلال مراقبة الحد الفاصل، وهذا قد يتحقق من خلال منع الوصول المباشر أو من دون وسيط إلى القائد أو من خلال ارتداء القائد ملابس معينة أو أي مظاهر أخرى دالة على الاختلاف. وبالطبع، تمثل الثقافات المختلفة آليات فصل مختلفة، وبالطبع مفاهيم مختلفة لمسافة البعد المقبولة، غير أن بعض أشكال البعد- سواء أكانت رمزية أم مادية، وسواء أكنا نتأمل قيادة معنية بالمهام أو قيادة معنية بالأشخاص تبدو عالمية. على سبيل المثال، كان يلاحظ على هتلر بساطة ملبسه، الأمر الذي ميزه عن باقي القادة النازيين في ملابسهم المبالغة في التفاخر التي تمتلئ بالأوسمة والنياشين، وهذا ما ربطه بـ “العامة”، على الرغم من أنه لم يكن “واحدًا منهم” على الإطلاق.

ثمة فكرة مفادها أن القيادة تتضمن بعض آليات “التباعد” بين القائد والأتباع، وهي فكرة مألوفة، خصوصًا الاعتقاد أن القادة القريبين أفضل من القادة البعيدين. على النقيض من ذلك، كان مكيافيلي حريصًا على الإشارة إلى أن الابتعاد نصيحة مفيدة لمنع الأتباع من إدراك طبيعة القادة “المشوبة بالأخطاء”؛ لأن:

الناس عمومًا يحكمون بعيونهم أكثر من أيديهم؛ حيث إن الجميع يستطيع أن يرى ولكن القليلين هم من باستطاعتهم أن يشعروا. فالجميع يرى ما الذي تبدو عليه، لكن قليلين هم من يلمسونك، وهؤلاء القلة لا يجرءون على معارضة رأي الكثيرين الذين يحظون بهيبة الدولة للدفاع عنهم.

 

m2pack.biz