- الفصل
2من اصل3
لهذا تداعيات عميقة لمن يسعون لأن يصبحوا قادة؛ لأن القدرة على الحفاظ على البعد، وخاصًة منع الآخرين من الاقتراب منك والاحتفاظ بنفسك بعيدًا عن أنظارهم، أمر مهم للحفاظ على هيبة القيادة، مثلما حدث مع ساحر أوز بعد أن سقط الستار الذي يخفي طبيعته “العادية”.
إن البعد وسيلة لتسهيل اضطلاع القادة بالمهام البغيضة والضرورية وإفساح حيز لرؤية الأنماط التي تتعذر رؤيتها حين يكون المرء على مقربة شديدة من الأتباع أو على مقربة من الحدث، وهو موضوع تناوله هافيتز ولينسكي بالاستعارة المكنية: “الخروج إلى الشرفة” لرؤية المشهد على نحو أكثر وضوحًا.
وعلى الرغم من أن البعد ربما كان أمرًا مهمٍّا للقيادة في أزمنة سابقة، فإن الاتجاه المعاصر في الأنظمة الديمقراطية بالغرب، على الأقل تحت أضواء وسائل الإعلام المتاحة 24ساعًة، هو ترسيخ صورة القيادة التي تحد من التباعد الاجتماعي؛ هكذا خرج توني بلير للتحدث إلى وسائل الإعلام خارج مكتبه بداونينج ستريت وهو يرتدي كنزة صوفية ويمسك بكوب من الشاي- كما لو أنه “واحد منا”- على الرغم من أن قلة قليلة منا هم من قد يفعلون ذلك أمام الصحافة العالمية، وأقل هم من يمكن أن ينادونه باسمه “توني” مباشرة، سواء أكانوا أصدقاء أم أعداء.
ومع ذلك، يرى كولينسون أن الإفراط في التركيز على القادة أصحاب الكاريزما يجعلنا نهمل إمكانية أن المسافة تمنح الأتباع أيضًا فرصًا مهمًة “لتكوين بديل وهويات أكثر معارضة وثقافات مناهضة في بيئة العمل تعبر عن التشكيك في القادة وتباعدهم عن الأتباع”. وهذا يتضح على وجه الخصوصفي طريقة استخدام الدعابة لإبعاد الأتباع عن القادة، على الرغم من أن هذا قد يشجع الأتباع على الإذعان لقادتهم كوسيلة للتنفيس عن إحباطهم بدلًا من تنظيم مقاومتهم.
إن الفصل بين القادة والأتباع يوضح بصورة جلية طبيعة عدم التكافؤ أو التفاوت الذي يمثل أساسًا من أسس القيادة، على الرغم من الغموض الذي يكتنف القيادة بالتفويض أو القيادة الموزعة أو الديمقراطية أو القيادة بالمشاركة.