الجدلية العقلانية في التحليل النفسي10من اصل10
إنه لا يعرف إلا بعض الألفاظ. وفي إحدى المرات فاجأته أمه وهو يرمي بمكوك تحت التخت ويلفظ FOR- DA بعيدًا، ثم يظهره ويجذبه إليه ويردد DA بمعنى قريب، وكان يكرر هذه اللعبة عدة مرات دون أن يكل، منصرفًا عن المشاغل الأخرى، وبصورة خاصة عن أمه.
يقول لاكان بأن الطفل استطاع عن طريق هذه اللعبة التي اكتشفها صدفة بأن يسيطر على وضع مأساوي كان يعاني منه بالنسبة لغياب أمه. فحرمانه منها يضعها أمام استحالة لا قدرة له عليها، سيما أن مفهوم الوقت وتقسيمه لم يدخلا بعد في نهج ترميز الطفل، فالأم تستطيع الاستغناء عنه، لقد أصبح مرتهنًا لإدارتها بتسلطها عليه. واكتشافه لهذه اللعبة مكنه من التحكم بوضعه المأساوي واستطاع عن طريق ترميزه أن يتماهى بالأم ويجعل من المكوك ممثلًا لما كان وضعه، ولكن استبدال السلبية بالإيجابية هذه المرة، جعله يتحكم باللعبة. الآن هو الذي يغيب ويحضر. وتتساءل هنا ما الذي حدث لكي يتمكن هذا الطفل من السيطرة على وضعه؟
يجيب لاكان: إذا مكنت الصدفة من إيجاد الرمز، فإنه يصبح في مرحلة ثانية مستقلًا عنها هنا، يرضخ لتحكم الذات به. بهذه العملية الصدفية استطاع الطفل أن يدخل عالم الرموز انطلاقًا من اكتشافه الأساسي لنقصان الوجود. فترميز هذا النقصان بالنسبة لوجود هو الذي مكنه من استخراج الدال الذي يعبر عنه. والإنسان يبدأ السؤال حول وجوده منذ البداية: يكون أو لا يكون: TO BE OR NOT TO BE فالوجود لا يبني إلا على قاعدة عدم الوجود من أين أتى؟ من نقطة الصفر (اللاوجود)، من نقطة الموت- حيث ارتبط بالدال الأول بكونه انتقل من حالة العدم إلى الحياة(·). ولكن منذ اللحظة التي يدخل فيها عالم الوجود،
(·) يتأكد ذلك في اللغة العربية حيث يشار إلى الدال الأول بالحرف. والحرف هو الحد الذي يتمسك به الإنسان المتكلم كي لا يقع في هاوية العدم.